ولأنِفُوا لأنفُسهم منَ الرِّضا بها ذاك لأنَّهم بإِيثارِهم الجهلَ بذلك على العِلم في معنى الصَّادِّ عن سَبيلِ الله والمُبتغي إِطفاءَ نورِ الله تعالى).
ويقول: (وأما زُهُدهم في النَّحو واحتقارُهم له وإصغارُهم أمرَهُ وتهاوُنهم به فصنيعُهم في ذلك أشنعُ من صَنيعهم في الذي تقدَّم وأشبهُ بأن يكونَ صدّاً عن كتابِ الله وعن معرفةِ معانيه ذاك لأنَّهم لا يجدونَ بُدّاً من أنْ يَعْترِفُوا بالحاجةِ إليه فيه إذ كان قد عُلمَ أنَّ الألفاظَ مغلقةٌ على مَعانيها حتّى يكونَ الإِعرابُ هو الذي يفتحها وأنّ الأغراضَ كامنةٌ فيها حتى يكونَ هو المستخرِجَ لها وأنه المعيارُ الذي لا يُتبيَّنُ نُقصانُ كلامٍ ورُجحانهُ حتى يُعرضَ عليه .. والمقياسُ الذي لا يُعرف صحيحٌ من سقيمٍ حتّى يُرجَعَ إليه .. ولا يُنكِرُ ذلك إلا مَن نَكر حِسَّه وإلا مَن غالطَ في الحقائقِ نَفْسَهُ وإِذا كان الأَمرُ كذلك فليتَ شِعري ما عذرُ مَن تهاونَ به وزهدَ فيه ولم يرَ أنْ يستسقِيهُ من مَصَبه ويأخذَهُ من معدِنه ورضيَ لنفسه بالنَّقصِ والكمالُ لها مُعرضٌ وآثر الغَبينة وهو يجدُ إلى الرِّبحِ سبيلاً).
ويقول: (واعلمْ أنْ ليسَ النظُم إِلا أن تضعَ كلامَك الوضعَ الذي يَقتضيهِ علمُ النّحو وتعملَ على قوانينهِ وأُصولِه وتعرفَ مناهجَهُ التي نُهِجَتْ فلا تزيغُ عنها وتحفَظُ الرُّسومَ التي رُسمتْ لك فلا تُخلَّ بشيءٍ منها. وذلك أنَّا لا نعلمُ شيئاً يبتغيِه النّاظمُ بنظمِه غيرَ أنْ ينظرَ في وجوهِ كلَّ بابٍ وفُروقه فينظرُ في الخبرِ إِلى الوجوهِ التي تَراها في قولك: (زيدٌ منطلقٌ) و (زيدٌ ينطلقُ) و (ينطلقُ زيدٌ) و (منطلق زيدٌ) و (زيدٌ المنطلقُ) و (المنطلقُ زيدٌ) و (زيدُ هوَ المنطلقُ) و (زيدٌ هو منطلقٌ).
ويقول: (ثم يذكر عبد القاهر أهمية النحو وضرورته لمخاطبه): (ما أظنُّ بكَ أيها القارئ لكتابِنا إِن كنتَ وفَّيته حقَّه من النظرِ وتدبَّرتَه حقَّ التدبرِ إِلاّ أنكَ قد علمتَ علماً أَبى أن يكون للشكِّ فيه نصيبٌ وللتوقّفِ نحوكَ مذهبٌ أنْ ليس النظمُ شيئاً إِلاّ توخيِّ معاني النحو وأحكامِه ووجوهِه وفروقه فيما بَيْنَ معاني الكلم. وأنك قد تبيّنتَ أنه إِذا رُفِعَ معاني النَّحو وأَحكامُه مما بينَ الكلمِ حتى لا تُرادَ فيها في جملةٍ ولا تفصيلٍ خرجت الكلم المنطوقُ ببعضِها في أثرِ بعضٍ في البيتِ من الشعرِ والفصلِ من النَثْر عن أنْ يكونَ لكونِها في مواضِعِها التي وُضِعَتْ فيها مُوجبٌ ومُقتضٍ وعنْ أن يتصوَّر أن يقالَ في كلمة منها إِنها مرتبطةٌ بصاحبةٍ لها ومتعلِّقةٌ بها وكائنةٌ بسببٍ منها وأنَّ حسنَ تصوُّرك لذلك قد ثَبَّتَ فيه قَدَمَكَ وملأ مِنَ الثقةِ نفسَك وباعدَك من أن تحِنَّ إِلى الذي كنتَ عليه وأن يَجُرَّكَ الإِلفُ والاعتيادُ إِليه وأنك جعلتَ ما قلناه نقشاً في صدركَ وأثبتَّهُ في سويداءِ قلبكَ وصادقتَ بينَه وبينَ نفسِك .. فإِنْ كانَ الأمرُ كما ظنناه رجونا أن يصادفَ الذي نريدُ أن نستأنفَه بعونِ الله تعالى منكَ نيةً حسنةً تقيكَ المللَ ورغبةً صادقةً تدفعُ عنكَ السأمَ وأَرْيحيةً يخفُّ معها عليك تعبُ الفِكْر وكدُّ النظر).
أمر أخير يتعلق بالنحاة في وضعهم للمعجم العربي، ولعل الدكتور يتفق معي أن النظام المعجمي العربي فريد ومتميز ليس لأنه يعطينا طريقة لنطق الكلمات، أو الرصد النوعي للصيغ المتعددة، أو طريقة الاشتقاق، أو فكرة الجذر اللغوي، أو شرحاً حيّاً على معاني الكلمات وتقديم شواهد لغوية لها من كلام العرب، لكن هناك أمراً أراه جديراً بالذكر هنا وهو الدقة البالغة في النظام المعجمي العربي بتعدد مدارسه المعجمية التي رصدت لنا أنواعاً متعددة من المعاجم المتخصصة.
وفي النهاية تبقى لعل محشرجة في نفسي تنادي بأن يلتزم كل متخصص في دائرة اختصاصه، فهذا أفضل لنا ولهم، حتى لا يتكلم الناس فيما لا يعلمون، ولا أعني بهذا احتكار العلوم، وإنما فقط ليتكلم عن النحو من يعلم حتى يتعلم من لا يعلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)
د. محمد عبيد أستاذ النحو والصرف والعروض المساعد بجامعة الملك عبد العزيز Abeed1974*************
الموضوع منقول من الثقافية
ـ[أمير الضاد]ــــــــ[29 - 05 - 2009, 08:49 م]ـ
عفوا اخي النحاة افسدوا اللغة وقسموا الأراء فيها
من الصحيح انهم قدموا الكثير لكنهم لم يتفقوا.
فترى ابن مالك يكذب الكوفيين وترى الكوفيين يكذبونه
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[29 - 05 - 2009, 10:25 م]ـ
أخي الحبيب لا أحد يكذب أحدًا بل يخالفه في الرأي ويحتج لقوله ويدفع قول الآخر. والكوفيون سابقون على ابن مالك وقد تخير من آرائهم ما تخير وصدر عنه في أعماله.
مع تحياتي وتمنياتي لك بالتوفيق.
ـ[المدرس اللغوي]ــــــــ[29 - 05 - 2009, 10:50 م]ـ
الموضوع واسع, وقد تحدث فيه كثيرون, وأتمنى منكم قراءة كتاب (إنقاذ اللغة من أيدي النحاة) للدكتور أحمد درويش حتى تتضح الصورة. وشكرا للجميع
¥