تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واسمح لي بكتابة ما أثاره حرف سيادتكم من أفكار زاحمت عقلي أثناء القراءة وما مجيئها إلا بسبب حثّ مقالكم على استخراج ما لديّ من مخزون تراكمي يخص ما طرحتموه.

سأتحدث عن كليتي التي تخرجت فيها وهي كلية التربية، قسم اللغة العربية، وقد كانت مدة الدراسة فيها أربع سنوات، وكنا ندرس مواد أكاديمية بالإضافة إلى المواد التربوية، وكان رجالات التعليم من قبل ينادون بوجوب أن تكون مدة الدراسة في كليات التربية خمس سنوات وليس أربع سنوات لهدف وهو محاولة المساواة بين طلاب كلية الآداب الذين يدرسون نفس المواد الأكاديمية التي ندرسها ولكن بدون المواد التربوية وبين طلاب كلية التربية الذين يدرسون موادا أكاديمية مع المواد التربوية مما يجعل طلاب الآداب في النهاية أكثر هضما للمواد الأكاديمية عن غيرهم من طلاب التربية.

ولكني وجدت بعد ما تخرجت أن الطالب الدارس لعلوم اللغة العربية سواء أكان منتسبا لكليات التربية أم كليات الآداب أم حتى كلية دار علوم فإن مدة الدراسة التي تكفيه لكي يستوعب كل هذه العلوم التي تزخر بها اللغة العربية يجب ألا تقل عن سبع سنوات بأي حال من الأحوال مثله مثل طالب كلية الطب، بل لعلّي أبالغ إن قلت إن وجوب التخصص في الكليات التي تُدَرّس اللغة العربية أمر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ويجب الاحتذاء فيه أيضا بكليات الطب التي يتخصص فيها الطالب في أقسامها المختلفة، فهناك ميول وهناك فروق فردية بين الطلاب، وكما كان علماؤنا الأجلاء قديما فيهم من برع في الفقه فقط وآخر برع في النحو فقط وثالث برع في الحديث فقط ورابع برع في الكلام فقط فلم ينقص هذا من شأنهم شيئا ولم يكن دليلا على ضآلة زادهم أو قلة علمهم ولكنه أعطى الأجيال التي جاءت بعدهم ما أعطاه لهم من أمهات كتب نتدارسها حتى الآن ونستمد منها علوم لغتنا، فلماذا لا ينظر إلى هذا الأمر القائمون على أقسام اللغة العربية و القائمون على التعليم الجامعي فيعمدون إلى إعطاء طلاب اللغة العربية علومها الأساسية و أبجدياتها المعرفية في السنوات الجامعية الأولى ثم ينشئون أقساما للنقد والنحو والبلاغة والأدب وغيرها يدخلها الطلاب فيتخصصون فيها أثناء سنوات الجامعة ولا أقصد الدراسات العليا و يتعهدهم الأساتذة فيها بمزيد من العناية لأنهم سيكونون صفوة الصفوة بل سيكونون رعاة علوم العربية لأنهم دخلوا هذه الأقسام برغبتهم فتتكثف الدراسة ويتخصص الطالب بدلا من أن يتشتت مجهوده في مدراسة علوم كثيرة في فترة زمنية قصيرة ثم يخرج منها خالي الوفاض إلا من قشور.

بل ربما أمر التخصص سيخدم السوق فيما بعد، فحينها سيجد السوق تخصصات مختلفة تخدمه في قطاعات مختلفة، وسيكون هناك تبادل منفعة بين الطرفين، ولن ينزوي أحدهما عن الآخر وينفصل عن مجتمع البشر الذين يحتاجون إلى المُبادلة في كافة أمور حياتهم.

وبالنظر إلى استراتيجيات الدول الغربية في السعي بكل ما أوتيت من قوة لهدم الكيان الإسلامي والعربي سنجد أن نظام التعليم في دولنا يسير من سيء إلى أسوأ سنويا بل وربما شهريا، فما بين تغيير مخططات ووزارات ووزراء لا يهمهم أمر التعليم في شئ ولكن يهمهم أن يفسدوه لانتبهنا إلى أن استمرار استمالة الطلاب إلى دراسة اللغة العربية وعلومها أمر يكاد يشبه الجهاد.

إذا أذنت لي بكتابة جملتين تذكرتهما الآن عن محاولة الغرب تغريبنا عن عربيتنا فقد قال أحد اليهود: " هناك من العرب- دون أن يدروا- من يُسدي إلينا خدمات أكثر من عملائنا المأجورين". وقال أحد المستشرقين الغربيين " لا ضمان لبقاء حضارة أوروربا مادام الإسلام قائمًا في قلوب أتباعه ولغتهم القومية تنبض بالحياة ".

لا أخشى شيئا على اللغة العربية فهي لغة كتاب الله وقد تعهد الله بحفظه إلى قيام الساعة وبُناءً عليه سيحفظ لغته التي أنزله بها ولا أخشى شيئا كذلك على أتباع الإسلام فالهدى هدى الله لكني أسأل لماذا لا نُيَسّر الأمر على أنفسنا مادام بأيدينا؟ ولماذا نكلف أنفسنا فوق وسعها مادام نستطيع أن نأخذ منه ما يفيدنا ويُبقيه لنا كذلك؟

لا نريد الاكتفاء بيسير المهارات والتخلي عن أصول علوم اللغة لكننا نريد الوسطية التي تجعلنا ممسكين بالدفة في أيدينا في نهاية الأمر، إن كان الطلاب قديما نبغوا في علوم العربية فهذا لأنهم درسوا هذه العلوم منذ سنوات طفولتهم الأولى إلى أن أصبحوا شبابا ثم أكملوا مسيرة العلم، ولكن الآن فإن الطالب يدرس منذ أعوام المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية قدرا معلوماتيا كبيرا مختلفا من العلوم بشتى أنواعها و تشغل علوم اللغة العربية فيه النذر اليسير فضلا عن ضعف المناهج وضعف التحصيل لدى الطالب لأنه خُلق لزمان غير زمان آبائه، ثم يلتحق بالجامعة فيجد علوما كثيرة تصب في نهر العربية والمطلوب منه أن يدرسها ويقف عليها جميعها في مدة أربع سنوات وهو في أصله لا يعرف منها إلا واحداة أو اثنتين على الأكثر ويعرفها بسطحية تامة وعدم إلمام.

نريدها جامعة ونريدها كُتابا ونريد نظرة أخرى لنظام التعليم الجامعي في ظل تحديات تواجه شباب هذه الأمة ولا يهتم بها القائمون على التعليم بأي حال من الأحوال مما أحدث فجوة بلغ قطر دائرتها عشرات الأميال بيننا وبين علمائنا السابقين حين كانوا طلابا صغارا يطلبون العلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير