تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثلاثة أسابيع قابعون في الدار لا طلعة ولا نزلة .. ولا شغلة ولا "مشغلة" .. لاكهربا ولا ماء .. من شدة الملل الواحد يحتار ما يعمل في الدار ..

أحياناً أعد البلاط .. وأحياناً كم كسرة في الستارة .. وأحياناً ألعب في "الجوال" (في حال كان فيه بطارية) .. أو أنشغل في واحد من إخوتي ..

لاعلينا .. الحلو في الموضوع أن "شلومو" تظهر حنيته في وقت الحرب .. يقول حفاظاً على رفاهية الشعب .. أعطونا ثلاث ساعات تهدئة في اليوم .. الواحد يعمل فيها ما يريد ..

وأحلى ما فيها أنها مختلفة .. يوم من الواحدة للأربعة .. ويوم من الثمانية للحادية عشرة .. ويوم من العشرة للواحدة ..

ويقولون لك احزر فترة تهدئة الغد واتصل على رقم "تلت تمنيات اتنين صفر وواحد أحمر" .. تكسب جائزة ..

والله الواحد يحتار ما يعمل في الثلاث ساعات .. وإلى أن يقرر أين يذهب (على أساس ضل مكان في غزة الواحد يروح عليه) تكون انتهت ..

اليوم قعدت أفكر وأفكر ما أعمل .. وجدت أحسن شيء أعمله أني أنام .. لأن الجو يكون هدوء ولا يوجد صوت قصف (نسبياً) ..

(لأنه طول الليل صوت القصف وصوت "الزنانات" بخليش الواحد يعرف ينام .. الواحد بحس انه في واحد بخرق في نافوخه بمقدح .. )

طول الوقت يسمع الواحد إما صوت صاروخ قريب .. أو بعيد .. أو يحس بهزة .. وبدأنا نسمع مناطق غريبة صاروا يقصفونها ..

مرة مقبرة .. ومرة صالة أفراح .. ومرة عمارة سكنية .. ومرة دار مهجورة .. أو يقصفون مكاناً قصفوه من قبل (للتأكيد) ..

طبعاً في هذه المناسبة أحب أن أتقدم بالشكر للطيار الذي يقصف لأنه يقصف صاروخاً صغيراً على الدار قبل "ما يجيبها نصين بالصاروخ اللي بعده" ..

أرأيتم الإنسانية إلى أين .. وتقولون عنهم سيئين؟ .. يعني الذي لا يصطاده الصاروخ الأول .. معه خمس دقايق ينفد بجلده قبل ما يأتي بأجله الصاروخ التاني ..

الأعمار بيد الله .. الواحد عنده يقين أن كل شي بأمر الله .. على الرغم من أن الواحد ماعاد يخاف مثل أول لما يسمع صوت صاروخ ..

ولكن الخوف من أن الطيار أخو "الكذا" تحلو دارنا في عينه ويخرقنا بصاروخ بحجة الغسيل الموجود على السطح يؤثر على "الزنانات" ..

دائماً أحاول أواسي نفسي بالمقولة التي تقول "متخفش من صوت الرصاص .. لأنه الرصاصة اللي حتقتلك مش حتسمع صوتها" ..

لكن هذه المقولة لاتنطبق على الصواريخ .. فما رأيكم .. ؟

أكتر ما أنبسط له لما يرن تلفون الدار .. نتنازع من يرد عليه أنا وإخوتي .. حتى نحكي مع الناس الذين يتصلون بنا من الدول العربية ..

كل واحد وحظه .. يطلع الاتصال من المغرب .. الجزائر .. مصر .. ليبيا .. السعودية .. السودان .. أو يأكل مقلب ويرد واحد يقول لك جيش الدفاع الإسرائيلي ..

يحذرك أن يكون عندك سلاح .. أو تتعامل مع واحد من المقاومة ..

لكن اليوم حسيت أنه لا يوجد إلا تلفوننا بكل غزة .. لم يسكت وهو يرن ..

- ألو السلام عليكم ...

- وعليكم السلام ..

- معك فلانة من ليبيا .. الله معكم .. الله ينصركم .. الله يقويكم ..

- تسلمي يا حجة .. ادعولنا ..

- الله ينصركم ويحفظكم ..

- طيب سلام عليكم ..

- وعليكم السلام ..

هذهي عينة من المكالمات التي تصلنا .. مع أنها صغيرة ليس فيها ثرثرة (وطق حنك) إلا إنها تشعر الواحد أنه ليس وحيداً ومعه أحد ما ..

و"يا حبيبي" لو خلال المكالمة نزل صاروخ أو "الخمسمية تاعت الأباتشي" اشتغلت .. اسمع الصراخ على التلفون .. وبدل ما يواسوك ويهدوك .. نأخذ نحن بتهدئتهم وإسكاتهم ..

لا، والشيء الجديد الذي أغاظني قصة الفسفور .. أنا طول عمري أسمع أن الفسفور في السمك .. وإنه مفيد لل (لا أدري ماذا) .... وكل ما الواحد يأكل سمك .. كان يحس حاله صار يشع من الفسفور ..

لكن هنا الوضع مختلف .. فسفور صحيح يجعلك تضيء وتشعشع .. يعني أول ما تأتيك قذيفة فسفور .. وتهب فيك النار .. يصبح من يراك يقول لك "منور ياحج" .. الله يلطف فينا ..

طبعاً وقت الفراغ الواحد بحاول يستغله بشيء مفيد .. أنا استغليت وقتي برياضة جديدة .. وهي رياضة براميل الماء ..

أول ما أفتح عيني أمارس الرياضة اليومية .. أصعد إلى سطح الدار أتفقد البراميل .. وكم بقي فيها من ماء .. طبعاً عن طريق الدقدقة على البرميل ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير