تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من عبر نازلة أهلنا في غزة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 01 - 2009, 09:04 ص]ـ

تلقت القيادة المصرية صفعة جديدة على قفاها، وما أكثر ما تتلقاه من صفعات داخليا وخارجيا، وقد أصابها قفاها الورم، فحالها يصعب على الكافر كما يقال عندنا في مصر!!!، فبعد الخدمات الجليلة التي قدمتها ليهود جاء الرد بالاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية وفيها انتهاك صارخ للسيادة الأمنية المصرية، المخترقة أساسا، وهو ما حاول رئيس الجمهورية ووزير الخارجية تداركه في خطاب مضطرب كالعادة، شددا فيه على رفض مصر أي تواجد أمني أجنبي على أراضيها، في عنترية واضحة استلهما فيها روح خطاب الخمسينيات الثوري الذي لا يعدو كونه كلاما في كلام من باب ذر الرماد في العيون بعد الفشل الذريع في إدراة النازلة: دينيا قبل كل شيء، فقد قصرت مصر في نصرة أبناء ملتها لدرجة التخاذل، بل والتآمر، وسياسيا، وهو ما تحاول الآن استدراكه بعد: "خراب مالطا"، وأخلاقيا، فأي إنسان، ولو كان بلا ملة يستنكر صمت مصر بوصفها الجار الأقرب، على ما حدث في غزة دون أن تحرك ساكنا، وكان بإمكانها أن تفعل الكثير لو أرادت، ولكن الله، عز وجل، حال بين مصر وقلبها فنظرت إلى النازلة من وجهة نظر مصلحية بحتة، فقدمت المصلحة الآنية العاجلة في إرضاء القوة العظمى على المصلحة الآجلة في رضا الرب، عز وجل، ثم في احترام نفسها واحترام الآخرين لها، فإن صاحب المواقف الشجاعة قد يخسر ابتداء، ولكنه يربح انتهاء، وها هو شعب غزة المسلم بعد هذه النازلة يربح رضا الرب، جل وعلا، إذ اتخذ منهم من أراد شهيدا، وأبقى من أراد عزيزا لم يستسلم أو يخضع لهمجية آلة الحرب الصهيونية، فضلا عما ربحه من احترام البشر، باختلاف نحلهم ومللهم، ويكاد المرء يجزم بأنهم قد ربحوا حتى احترام عدوهم، فلا أعتقد أن أحد الفئران التي اعتادت الاختباء في السراديب هربا من صواريخ المقاومة ذات التأثير المادي المحدود، والتأثير المعنوي العظيم، لا أعتقد أن أحدا منهم يثق في قدرته على الوقوف في وجه فرد من أفراد المقاومة الإسلامية، فقد هزموا بل سحقوا معنويا، فجبهتهم الداخلية أضعف مما نتصور، وما بقي إلا أن يمتثل الموحدون أمر الرب جل وعلا: (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

ولو أن مصر نصرت الله لنصرها ولكن من يخذل الله يخذل، وقد ذكرني هذا الموقف المتخاذل الذي وقفته القيادة السياسية المصرية بموقفها في أزمة السيدة وفاء قسطنطين، التي عجزت عن حمايتها فسلمتها إلى الكنيسة، ظنا منها أن ذلك سوف ينقذها من الحرج، فتنتهي الأزمة بحل عاجل، ولو كان خاطئا، بل محرما غير مشروع، فقدمت كالعادة مصلحة التهدئة العاجلة على مصلحة الحفاظ على سيادة الدولة وحماية مواطنيها، وهي مصلحة عظمى آجلة، فكانت النتيجة أن تمادى الطرف الآخر، مستغلا خضوع وضعف الطرف المقابل: المسالم لدرجة الضعف والتخاذل، فلم تحل المشكلة، بل تفاقمت في ظل تمدد الأقلية واعتضادها بالقوى الخارجية الضاغطة، فمن تنازل إلى تنازل، تماما كما حدث في نازلة غزة، فلو اتخذت القيادة موقفا حازما من البداية، لغضب من غضب ابتداء، ولكنه سيدرك بعد ذلك الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، أما وقد استسلمت للضغوط، فلم تعد هناك خطوط حمراء يخشاها أعداء الداخل أو الخارج، فخسرنا أرضا ربحها الخصم، بل وانتعشت أطماعه رغبة في مزيد من الامتيازات، والصورتان الداخلية والخارجية: متطابقتان: تنازلات إيثارا للسلامة العاجلة في مقابل مشاكل، بل: وبلاوي آجلة، كما يقال عندنا في مصر، وسياسة المسكنات قد تخفف الألم والاحتقان نوعا ما، ولكنها لا تحسم مادة الداء، لأنها ليست دواء، فالدواء مر ابتداء، يحتاج نوع صبر في تعاطيه وانتظار نتائجه، حلو انتهاء، فالعاقبة لمن صبر، ولكن لا يكون نصر إلا بعد تمحيص، ولا يكون تمكين إلا بعد ابتلاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير