تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[محاسبة النفس؟؟؟]

ـ[أم الزهراء]ــــــــ[21 - 12 - 2008, 02:37 م]ـ

الحمد لله الذي أمرَ بمحاسبةِ النفوس، وجعلَ عملها للصالحاتِ خيراً من الجلوس، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، الذي رفعَ بالمحاسبةِ الرؤوس، وأعلى بها النفوس، وأشهدُ أنّ سيدنا محمداً عبده ورسولُه، طبيبُ النفوس، أمر بمحاسبةِ النفس، قبلَ اليومِ العَبوس، صلى الله عليه وسلمَ كلما حوسبت نفسٌ وأُزيلَ رجس، وعلى آله وصحبه ومن سارَ على نهجهِ إلى يوم الدين، أما بعد: إن من أعظمِ الأمانات أمانةُ النفس، فهي أعظمُ من أمانةِ الأموالِ والأولاد، أقسمَ الله بها في كتابه، ولا يقسمُ الله إلا بعظيم، قال تعالى:) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (وقد جعلَ الله لهذهِ النفس طريقين: طريقُ تقوىً وبه تفوزُ وتُفلح، وطريقُ فجورٍ وبه تَخسر وتَخيب.

والناظرُ في حالِ الناسِ اليوم، يرى رُخص النفوسِ عند أهلِها، ويرى الخسارةَ في حياتِها لعدمِ مُحاسبتِها، والذين فقدوا أو تركوا محاسبةَ نفوسِهم سيتحسرون في وقتٍ لا ينفعُ فيه التحسر، يقول جل شأنه:} أنْ تَقولَ نَفسٌ يا حَسْرتى عَلى ما! فَرطتُ في جَنْبِ اللهِ وإنْ كُنْتُ لَمِنَ الساخِرين {.

وبتركِ محاسبة النفس تسلط الشيطانُ الذي دعا إلى المعصية، وحذّر من الطاعة، وزينَ الباطل، وثبطّ عن العَملِ الصالح وصدّ عنه. وبتركِ محاسبة النفس تمكنت الغفلةُ من الناسِ، فأصبحَ لهم قلوبٌ لا يفقهونَ بها ولهم أعينٌ لا يبصرونَ بها، ولهم آذانٌ لا يسمعونَ بها، أولئكَ كالأنعامِ بل هم أضل، أولئكَ هم الغافلون.

يقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

يقولُ ابنُ كثيرٍ – رحمه الله – في تفسيرِ قولِه تعالى: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}: ((أي حاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتُم لأنفسِكم من الأعمالِ الصالحةِ ليومِ معادِكم وعرضِكم على ربِكم، واعلموا أنه عالمٌ بجميعِ أعمالِكم وأحوالِكم، لا تخفى عليهِ منكم خافيه)) انتهى كلامه رحمه الله.

* ويترتبُ – كذلكَ – على ترك محاسبة النفس أمرٌ هامٌ جداً، ألا وهو هلاكُ القلب، هلاكُ القلب! يقولُ ابنُ القيّم – رحمه الله -: " وهلاكُ القلب من إهمالِ النفسِ ومن موافقتها وإتباع هواها ".

وقالَ رحمه الله في إغاثةِ اللهفان: " وتركُ المحاسبة والاسترسالُ وتسهيلُ الأمورِ وتمشيتُها، فإنَّ هذا يقولُ بهِ إلى الهلاكِ، وهذه حالُ أهلِ الغرور، يُغْمضُ عينيهِ عن العواقبِ ويُمَشّي الحال، ويتكلُ على العفو، فيهملُ محاسبة نفسهِ والنظرُ في العاقبة، وإذا فعلَ ذلكَ سَهُلَ عليه مواقعةُ الذنوبِ وأنِسَ بها وعَسُرَ عليه فِطامُها ولو حَضَرَه رُشْدَه لعلِم أنّ الحميةَ أسهلُ من الفِطام وتركُ المألوف والمعتاد " انتهى كلامه رحمه الله. وكتبَ عمرُ بن الخطابِ t إلى بعضِ عمُّالِهِ:

((حاسب نفسكَ في الرخاء قبلَ حسابِ الشدة، فإن من حاسبَ نفسهُ في الرخاءِ قبلَ حساب الشدة، عادَ أمرُه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلتْهُ أهواؤه عادَ أمرُه إلى الندامةٍ والخسارة)).

وكان الأحنفُ بن قيسٍ يجيءُ إلى المصباحِ فيضعُ إصبَعهُ فيه ثم

يقول: يا حُنيف، ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا؟ ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا؟

وقال الحسن – رحمه الله -: " إن المؤمنَ واللهِ ما تراهُ إلا يلومُ نفسهُ على كلِّ حالاته، يستقصرها في كل ما يفعل، فيندمُ ويلومُ نفسَهُ، وإنّ الفاجرَ ليمضي قُدُماً لا يعاتبُ نفسَه ".

فيجبُ أن يكونَ المؤمنُ محاسباً لنفسهِ مهتماً بها، لائماً على تقصيرِها قال الإمامُ ابنُ القيمِ رحمه الله تعالى: ((ومن تأملَ أحوالَ الصحابةِ رضي الله عنهُم وجدَهم في غايةِ العملِ معَ غايةِ الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير، بل بين التفريطِ والأمن)).

هكذا يقولُ الإمامُ ابن القيمِ عن نفسه وعصره!

فماذا نقولُ نحنُ عن أنفسِنا وعصرِنا؟!

* * *

· ولمحاسبةِ النفس نوعان: نوعٌ قَبلَ العمل، ونوعٌ بعدَه.

§ النوعُ الأول: محاسبة النفس قبل العمل:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير