تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلْنُبلِّغ هذه الآية

ـ[محمد سعد]ــــــــ[18 - 12 - 2008, 07:55 م]ـ

فلْنُبلِّغ هذه الآية: "ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ولو كان الإنسان فظاً غليظ القلب، وكان متمكناً من علمه، متبحراً في ثقافته، لكنه فظٌ غليظ القلب، فإنّ الناس يجفونه، ويصدُّون عنه.

فما قولك أن النبي عليه الصلاة والسلام، ومَن هو النبي؟ إنّه سيد الخلق، حبيب الحق، سيد ولد آدم، المعصوم، الموحى إليه، المؤيد بالمعجزات، كل هذه الميزات لو كان فظًّا غليظ القلب مع كل هذه الميزات لانفض الناس من حوله.

فكيف إذًا بإنسان لا معجزة معه، ولا وحي، ولا هو معصوم، ولا سيد الخلق ولا حبيب الحق، بل هو واحد من عامة المؤمنين.

فإذا كان في دعوته قاسياً فظاً غليظاً هل تقبل دعوته؟ فمعنى الآية دقيق، يعني: أنت أيها النبي، أنت على ما أنت عليه من تفوقٍ، من عصمةٍ، من تأييدٍ بالمعجزات، من إكرامٍ بالوحي، أنت بكل هذه الميزات!!! ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك.

فكيف بالذي ليس متفوقاً، وليس مؤيداً بالمعجزات، ولا يوحى إليه، ولا سيد الخلق، ولا حبيب الحق، فكيف تكون فظا غليظ القلب.

تروي كتب التاريخ، أنَ رجلاً دخل على بعض الخلفاء، فقال: إنني سأعظك وأغلُظ عليك، وكان هذا الخليفة فقيهاً، فقال: ولِمَ الغلظة يا أخي، لقد أرسل الله من هو خيرٌ منك إلى من هو أشرُّ مني؛ أرسل موسى وهارون إلى فرعون، فقال: " فقولا له قولاً ليناً لعله يتزكى أو يخشى ".

(سورة طه: 44)

لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، فلن تستطيع أن تفتح عقول الناس، قبل أن تفتح قلوبهم بالإحسان، لذلك قالوا: الإحسان قبل البيان، لا تستطيع أن تقنع الناس بالحق إلا إذا كنت على الحق، والقدوة قبل الدعوة، هناك قواعد، القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، لن تستطيع أن تكون مؤثراً بالآخرين إلا إذا كنت محسنًا إليهم.

فلذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "بعثت بمداراة الناس" هذه الباء في اللغة من معانيها الاستعانة، يعني أنا أستعين على هدايتهم بمدارتهم.

وقد يسأل سائل: ما لفرق بين المداراة والمداهنة؟ ثمَّةَ فرقٌ كبير، فما أبعد المداراة عن المداهنة.

المداراة بذل الدنيا من أجل الدين، تنفق شيئًا من وقتك، وخبرتك، وراحتك، ومن مالك في سبيل أن تؤلف قلب أخيك، هذه مداراة، ولكن المداهنة أن تنفق من دينك من أجل الدنيا، " ودوا لو تدهن فيدهنون"

(سورة القلم: 9)

المداهنة خطيرة، والمداهن منافق، لا يصلي لئلا يظن أنه به دين، هذا بذل من دينه من أجل حسن علاقته بزيد، فهذه مداهنة، فالمداهنة بذل الدين من أجل الدنيا، أما المداراة فبذلُ الدنيا من أجل الدين فلذلك: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".

كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته لف ثوبه حتى لا يزعج أحدًا، للثوب عند المشي حفيف، فهل يعقل أن حفيف الثوب يوقظ الأهل؟ من شدة رقته، ومن شدة رحمته، وشدة عنايته بأهله، فكان إذا دخل بيته لف ثوبه، وكان إذا رأى صبياً سلَّم عليه، وكان الحسن والحسين يركبان على ظهره في البيت فيقول: نعم الجمل جملكما، ونعم الحملانِ أنتما، لماذا وصل إلى ما وصل إليه، بأخلاقه العالية: "وإنك لعلى خلق عظيم " (إنك لعلى)، ما قال الله سبحانه: إنك ذو خلق عظيم، لأنّ ثمة فرقًا كبيرًا بين أن يقول: إنك ذو خلق، وإنك لعلى خلق.

فإذا وقع الإنسان في صراع، يقول: جاهدتُ نفسي جهادًا كبيرًا، حتى ضبطت أعصابي، إذاً أنت ذو خلق، أما النبي فعلى خلق، و (على) تفيد الاستعلاء، فهو متمكن، فمهما استُفِزَّ فلا شيء في الأرض يخرجه عن خلقه العظيم، إنّه متمكن من خلقه.

إخواننا الكرام؛ الإيمانُ حسنُ الخلق، فإذا ألغيت الخلق، ألغيت الإيمان، وألغيت الدين، ولم يبق إلا شيئان، لن يبقى من الدين إذا ألغيت الخلق إلا طقوس لا معنى لها، وثقافات لا تنفع ولا تجدي، معلومات وطقوس من دون أخلاق نعم.

ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير