تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الهموم بقدر الهمم]

ـ[هتاف القلم]ــــــــ[14 - 12 - 2008, 01:53 م]ـ

سألت كثيراً من الشباب هذا السؤال الجوهري: ما هو هدفك في الحياة؟

كنت مع أحد الشباب في إحدى الدول العربية وهو يدرس في كلية الصيدلة، هذا السؤال فدار بيني وبينه هذا الحوار.

- هتاف القلم: أخي الحبيب ما هو هدفك في الحياة؟

- أكمل دراستي.

- ثم ماذا؟

- أبحث عن عمل.

- ثم ماذا؟

- أتزوج.

- ثم ماذا.

- أنجب أبناءً.

- ثم ماذا؟

- أشتغل في تربيتهم حتى يكبروا ويدرسوا ويتزوجوا.

- ثم ماذا؟

هز رأسه وقال: (بس) – كلمة غير عربية وأصلها فارسية بمعنى فقط وكلمة (بس) كانت تستخدمها العرب في زجر الإبل والبهائم -.

ذكرني صاحبي بقصة السيد عادي، هذا الرجل وُلد ولادة عادية، ثم نشأ نشأة عادية، ثم درس في المراحل الدراسية دراسة عادية، ثم وجد له عملاً عادي، ثم تزوج بزوجة عادية، وعاش معها حياة عادية، ثم أنجب أبناء عاديين، عاشوا مثله حياة عادية، ثم مات سيد عادي ميتة عادية.

تباً لحياة لا قيمة لها، ولا هدف فيها، ولا يعيش صاحبها قضية يناضل من أجلها ويموت من أجلها.

أيها النبلاء ... اسألوا أنفسكم ما هو الهم الذي تحمله، وما هو الهدف الذي تعيش من أجله، وما هي القضية التي تؤرق مضجعك فإن الهموم بقدر الهمم.

بعض الناس يأتي إلى الحياة ويرحل عنها وما درى به أحد ولم يسمع به شخص، ذهب كما أتى لم يغير شيئاً في هذه الحياة، فهو عند النحاة نكرة غير مقصودة، وعند الأصوليين عدد لا مفهوم له، وعند الرياضيين صفر على الشمال.

يأتي إلى الحياة فيسبب شحاً في الغداء ونقصًا في الماء، لا يزيد على الحياة شيئًا بل هو زائد على الحياة.

يموت يوم يموت فلا يأسف عليه أحد، ولا يبكي عليه أحد، ولا يذكره أحد، وعليه يصدق قول القائل:

وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيرنا = حياتك لا نفع وموتك فاجع

أيها الخيِّر ... ليقل عنك الناس يوم تموت: مر ها هنا وهذا الأثر، ضع بصمتك، اترك أثراً قبل الرحيل، أو كما قال أبو الطيب:

وتركك في الدنيا دوياً كأنما = تداول سمع المرء أنامله العشر

غالبية الناس من هذا الصنف، دراسة وعمل وزواج وأبناء حتى يوافيهم الأجل، هذه أهداف ميتة، ومقاصد تافهة، ما قيمة الإنسان بلا هدف، ما وزنه بلا مقصد، هل رأيت لاعباً نزل إلى أرض الملعب ولا يدري إلى أي مرمى يسدد؟ وهل رأيتم ملاحاً يبحر ولا يدري ما وجهته؟ وهل رأيتم مسافراً يمضي ولا يدري أين مقصده؟ لسان حاله كما قال إيلياء أبو ماضي:

جئت لست أدري من أين أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

بل يصدق عليه قول القائل:

ومشتت العزمات ينفق عمره = حيران لا ظفر ولا إخفاق

أيها الشرفاء ... فلنعش من أجل قضية تكون في سويداء قلوبنا، وتكون إنسان عيوننا، وأنس روحنا، وحياة أجسادنا.

إن من يموت يوم يموت وقد عاش من أجل قضية، ومات من أجل مبدأ، وبذل دمه وروحه وتالده وطريفه من أجل هدف، هو الذي يقف له التاريخ إجلالاً، ويصفق له الدهر تعظيماً، وتنحني له الدنيا تمجيداً.

بعض الناس هدفه عيش هني ومركب وطي ومطعم شهي شعاره:

إنما الدنيا طعام ومنام ومدام = فإن فاتك هذا قل على الدنيا السلام

شتان ما بين من يحمل هم أمته ودينه وعقيدته ومجتمعه، وبين من يعيش عبداً لشهواته ورغباته، همه ما يأكله وقيمته ما يخرجه شتان بين الرجلين:

خلق الله للمعالي رجالاً = ورجالاً لقصعةٍ وثريد

بعض الناس اختصر الحياة في امرأة، فعاش من أجلها ومات، وقام لها وقعد، من أجلها سهر الليل وتكحل بالسهاد وعاف المأكل والمشرب، وذاب وانصهر من أجلها، والذي قرأ قصة مجنون بني عامر – أعني قيس بن الملوح - المعروف بمجنون ليلى، يعرف صدق ما أقوله، وهذه المدرسة التي جعلت منهجها يقوم على خيال امرأة وشبح أنثى، ضمت في مقاعدها رجالاً إلى يومنا هذا، منهم جميل الذي قال فيما قال:

يقولون جاهد يا جميل بغزوة = وأي جهاد غيرهن أريد

ومنهم كثير وغيلان وغير ذلك من كل خاسر وتافه ومنحط.

وبعض الناس صار قصارى همه نيل الملك، وغاية مقصده طلب الرئاسة، ومنتهى آماله كرسي الحكم، وهذه قصة معروفة أبطالها، معلومة رجالها.

لا أريد أن أسترسل في خواطر، المهم أن تجعل لك هدفاً نبيلاً وقضية جليلةً، ومبدأ شريفاً، تعيش من أجله. وفق الله الجميع.

3 - الشعر:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير