[الإيمان بالقضاء والقدر]
ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 01 - 2009, 07:49 ص]ـ
الإيمان بالقضاء والقدر يولد في العبد شجاعة تحمله على مقارعة الخطوب مهما عظمت، وهذا ما رأينا صورة حية وأنموذجا عمليا منه في غزة، وازدادت الصورة وضوحا بنقيضها على الجانب الآخر، فمقابل شجاعة إيمانية في تحدي آلة الدمار، ولا تصمد شعارات القومية والوطنية ........... إلخ في مثل تلك المضائق، مقابل تلك الشجاعة الإيمانية رأينا جنودا يخشون الخروج من مصفحاتهم لقضاء حوائجهم فاستعملوا الحفاظات، أكرمكم الله، خشية البروز لأفراد المقاومة الإسلامية.
والإيمان بالقضاء والقدر هو الذي يحسم مادة الخوف من قلب العبد، فيسلم لله، عز وجل، في الرخاء وفي الشدة، فلا بطر في الأولى، ولا جزع في الثانية.
وإلى المتخاذلين زف المتحدث الرسمي للمقاومة نبأ استشهاد نحو 48 من أفراد المقاومة في مقابل تصريحات حقيقية ستكشف الأيام عن صحتها إن شاء الله، وإن حاول يهود كتمانها إبقاء على جبهتهم الداخلية الهشة متماسكة، ولو في الظاهر تماسك البناء الورقي، في مقابل تصريحات تفيد بمقتل نحو 90 من جنود يهود، وهذا نصر بكل المقاييس، بالنظر إلى فارق التسليح والتدريب، فضلا عن غطاء النار الهمجي الذي استتر به جنود يهود، فالكفة المعنوية، بل والمادية إذا نظرنا إلى الاشتباكات الحقيقية تؤكد نصر الموحدين في غزة على عدوهم الذي جبن عن اقتحام قطاع مكتظ بالسكان، مدمر البنيان، ضئيل الموارد، منهك القوى بعد سنوات الحصار، فكل المؤشرات المادية تؤكد سرعة انهياره تحت وطأة أي عملية عسكرية، فكيف إذا كانت همجية كالعملية التي شنها يهود.
وأما قتلانا من المدنيين، فليس قتلانا وقتلاهم سواء، وذلك أيضا من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر التي يفتقدها القوم.
والإيمان بالقضاء والقدر يولد كرما هو قرين الشجاعة.
ويولد عزما على تكرار المحاولة، وإن أخفق المرء ابتداء، وقد نجحت حكومة غزة في إدارة القطاع في ظروف غاية في الصعوبة، في ظل الحصار الظالم، ولا يكون ذلك إلا بإيمان راسخ بقضاء الله، عز وجل، وقدره، فهو الذي يعطي ويوسع فضلا، ويمنع ويضيق عدلا.
والإيمان بالقضاء والقدر يولد في النفس قوة احتمال، فيصبر المؤمن على مكاره لا يصبر عليها غيرة، إذ يراها منحا، وإن كانت محنا في الظاهر، وقد صبر إخواننا ولا زالوا على ضيق العيش، والخوف، وتلك مصيبة، أي مصيبة، أن يبتلى الإنسان بالخوف وعدم الأمن على دينه أو عرضه أو دمه أو ماله، ويوم أن توقف القصف، قال أحد المحللين السياسيين المعروفين، وهو من أهل فلسطين الذين يعيشون في أرض المهجر القسري، قال بأن أهم شيء الآن، أن ينعم سكان غزة، ولأول مرة منذ ثلاثة أسابيع، بنوم هادئ، فلا يخشى أحدهم أن ينام فلا يستيقظ!!!، وقد يبدو الأمر مضحكا لمن لم يبتل بالخوف، فكلنا يباشر هذه النعمة ليل نهار، حتى فقدنا الإحساس بقيمتها، فقليل منا من يشكر نعمة الأمن، ومن حديث أبي الدرداء، رضي الله عنه، مرفوعا: (من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا).
والإيمان بالقضاء والقدر يولد في النفس قناعة، والقناعة في زمن الشدائد من خير الأسلحة، إذ يغض صاحبها طرفه عن فضول النعم، وقد غض أهلنا في غزة طيلة السنوات الماضية الطرف عن فضول النعم، بل عن كثير من الاحتياجات الأساسية في ظل حصار خانق، وكان لهم من عزة النفس، وهي من أطيب ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر، كان لهم منها أوفر نصيب، فإن من استغنى عما في يد غيره وصبر على ضيق العيش، فلم يمد عينه إلى ما متع به غيره، من كان هذا حاله فهو أغنى الناس وأعزهم نفسا، وإن خلت يده من متاع الدنيا.
والإيمان بالقضاء والقدر يولد اعتدالا في السراء والضراء، فيستوي في نظر صاحبه: الغنى والفقر، فلكل عبادة، فللغنى الشكر، وللفقر الصبر، ويستوي في نظره: المدح والقدح، فمن مدح فبشرى عاجلة، ومن قدح، فالحمد لله على أن ستر من العيوب ما قد يحمله على التمادي في قدحه، والحمد لله على ما ابتلى به من نقص حمل القادح على بسط لسانه، فلا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وبكل المقاييس كانت نازلة غزة: دورة عملية تدريبية، إن صح التعبير، لأهل غزة في الإيمان بالقضاء والقدر، الركن السادس من أركان الإيمان، ومن جلس في مقاعد المتفرجين من أمثالنا، فهي في حقه فرصة للتأمل النظري الهادئ، عله يستفيد من تلك النازلة ما يصلح به ما فسد من أمر دينه.
والله أعلى وأعلم.