وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والإلحاد والفجور سلط عليهم الكفار قال تعالى: ((و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا، عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا)).
وكان بعض المشايخ يقول هولاكو ملك الترك التتار الذي قهر الخليفة بالعراق وقتل ببغداد مقتلة عظيمة جدا يقال قتل منهم ألف ألف وكذلك قتل بحلب دار الملك حينئذ كان بعض الشيوخ يقول: هو للمسلمين بمنزلة بخت نصر لبني إسرائيل.
وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الإلحاد والنفاق والبدع حتى أنه صنف الرازي [قال ابن المغيرة: هو الفخر الرازي صاحب تفسير (مفاتيح الغيب)] كتابا في عبادة الكواكب والأصنام وعمل السحر سماه " السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم " ويقال إنه صنفه لأم السلطان علاء الدين محمد بن لكش بن جلال الدين خوارزم شاه وكان من أعظم ملوك الأرض وكان للرازي به اتصال قوي حتى أنه وصى إليه على أولاده وصنف له كتابا سماه " الرسالة العلائية في الاختيارات السماوية ".
وهذه الاختيارات لأهل الضلال بدل الاستخارة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين كما قال جابر في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه باسمه خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)).
... يتبع
ـ[ابن المغيرة]ــــــــ[09 - 07 - 2006, 05:14 م]ـ
وأهل النجوم لهم اختيارات إذا أراد أحدهم أن يفعل فعلا أخذ طالعا سعيدا فعمل فيه ذلك العمل لينجح بزعمهم.
و قد صنف الناس كتبا في الرد عليهم و ذكروا كثرة ما يقع من خلاف مقصودهم فيما يخبرون به و يأمرون به و كم يخبرون من خبر فيكون كذبا وكم يأمرون باختيار فيكون شرا.
والرازي صنف الاختيارات لهذا الملك وذكر فيه الاختيار لشرب الخمر وغير ذلك كما ذكر في " السر المكتوم " في عبادة الكواكب ودعوتها مع السجود لها والشرك بها ودعائها مثل ما يدعو الموحدون ربهم، بل أعظم، والتقرب إليها بما يظن أنه مناسب لها من الكفر والفسوق والعصيان، فذكر أنه يتقرب إلى الزهرة بفعل الفواحش وشرب الخمر و الغناء ونحو ذلك مما حرمه الله و رسوله، و هذا في نفس الأمر يقرب إلى الشياطين الذين يأمرونهم بذلك ويقولون لهم: إن الكوكب نفسه يحب ذلك.
و إلا فالكواكب مسخرات بأمر الله مطيعة لله لا تأمر بشرك و لا غيره من المعاصي ولكن الشياطين هي التي تأمر بذلك و يسمونها روحانية الكواكب، و قد يجعلونها ملائكة وإنما هي شياطين.
فلما ظهر بأرض المشرق بسبب مثل هذا الملك ونحوه و مثل هذا العالم ونحوه ما ظهر من الإلحاد و البدع سلط الله عليهم الترك المشركين الكفار فأبادوا هذا الملك وجرت له أمور فيها عبرة لمن يعتبر و يعلم تحقيق ما أخبر الله به في كتابه حيث يقول: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)) أي أن القرآن حق، و قال: ((سأريكم آياتي فلا تستعجلون)) وبسط هذا له موضع آخر.
و المقصود هنا أن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجعد المعطل وغيره من الأسباب التي أوجبت إدبارها.
وفي آخر دولتهم ظهر الجهم بن صفوان بخراسان وقد قيل إن أصله من ترمذ وأظهر قول المعطلة النفاة الجهمية، و قد قتل في بعض الحروب.
¥