تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذ من المعروف عند علماء الحديث، أنه ليس كل ما روي عن ابن عباس، رضي الله عنه، يقبل مباشرة، دون بحث أو تحقيق، لأنه قد وردت عنه روايات كثيرة جدا في التفسير من طرق متفاوتة في الصحة والضعف، فقبل أن تقبل القول لابد من التفتيش عن سنده، لا سيما إن كانت الرواية عن مكثر، كابن عباس، رضي الله عنهما، وإلى هذا أشار الشيخ مناع القطان، رحمه الله، في "مباحث في علوم القرآن" بقوله:

وقد ورد عن ابن عباس، رضي الله عنهما، في التفسير ما لا يحصى كثرة، وجمع ما نقل عنه في تفسير مختصر ممزوج يسمى "تفسير ابن عباس"، وفيه روايات وطرق مختلفة، ولكن أحسن الطرق عنه طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه، واعتمد على هذه البخاري، رحمه الله، في صحيحه، ومن جيد الطرق: طريق قيس بن مسلم الكوفي عن عطاء بن السائب.

وفي التفاسير الطوال التي أسندوها إلى ابن عباس مجاهيل: وأوهى طرقه طريق الكلبي عن أبي صالح، والكلبي هو أبو النصر محمد بن السائب المتوفى سنة 146 هـ، فإن انضم إليه رواية محمد بن مروان السدي الصغير سنة 186 هـ، فهي "سلسلة الكذب"، وكذلك طريق مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي، إلا أن الكلبي يفضل عليه لما في مقاتل من المذاهب الرديئة.

وطريق الضحاك بن مزاحم الكوفي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، منقطعة، فإنه لم يلق ابن عباس، وإن رجح الشيخ العلامة السيد أحمد شاكر، رحمه الله، سماعه من ابن عباس، فإن انضم إلى ذلك رواية "بشر بن عمارة" فضعيفة لضعف بشر، وإن كان من رواية جويبر عن الضحاك فأشد ضعفا، لأن جويبرا شديد الضعف متروك.

وطريق العوفي عن ابن عباس أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرا، والعوفي ضعيف ليس بواه، وربما حسن له الترمذي.

بتصرف من "مباحث في علوم القرآن"، ص350.

وبهذا يستطيع القارئ أن ينقب عن الطرق ويعرف منها الجيد المقبول من الضعيف أو المتروك، فليس كل ما روي عن ابن عباس بالصحيح الثابت، كما تقدم.

ويواصل أبو حيان، رحمه الله، مرجحا:

ويظهر أنهم زوجاته وأهله، فلا تخرج الزوجات عن أهل البيت، بل يظهر أنهن أحق بهذا الاسم لملازمتهن بيته، عليه الصلاة والسلام. وقال ابن عطية: والذي يظهر أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك ألبتة، فأهل البيت: زوجاته وبنته وبنوها وزوجها. وقال الزمخشري: وفي هذا دليل على أن نساء النبي من أهل بيته.

وأما الطبري، رحمه الله، فيقول:

اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله (أَهْلَ الْبَيْتِ) فقال بعضهم: عُني به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم.

ثم ذكر 16 رواية، تؤيد هذا القول، وفي المقابل ذكر رواية واحدة فقط، ترجح أن المقصود هو زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهج الطبري، رحمه الله، في تفسيره وتاريخه معروف، فهو إمام جماعة، بفتح الجيم والميم مع تشديد الثانية، كما نص هو على ذلك، جمع كما كبيرا من الروايات، وأبرز أسانيدها، دون الحكم عليها، بل ترك ذلك للأئمة النقاد، فلا يمكن لغير متخصص مثلي، دراسة هذه الأسانيد دراسة علمية متأنية، وإنما نقلت ما اطلعت عليه، فمعظم الروايات ذكر فيها أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وزوجه فاطمة، رضي الله عنها، وولداه الحسن والحسين، سيدا شباب الجنة، رضي الله عنهما، على أن فيها رواية قالت فيها أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله أدخلني معهم. قال: "إِنَّكِ مِنْ أَهْلِي"، وحكى القرطبي، رحمه الله، قولا عن القشيري يؤيد هذه الرواية فقال:

وقال القشيري: [وقالت أم سلمة أدخلت رأسي في الكساء وقلت: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: (نعم)].

وهناك روايات حكاها الطبري، رحمه الله، عن شيخه ابن حميد، وهو متهم، بل إن الرواية المؤيدة لكون أهل البيت هم زوجاته، رضوان الله عليهن، جاءت من طريق ابن حميد، وهذا لا يعني نفي كون زوجاته هن أهل البيت المذكورون في الآية، لأن سياق الآية، كما تقدم، يدل على أنهن المعنيات بالخطاب.

وقد ذكر القرطبي، رحمه الله، رواية واحدة تؤيد أن المقصود بـ "أهل البيت" هم: علي وفاطمة والحسن والحسين، رضوان الله عليهم، من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير