وأما ابن كثير، رحمه الله، فقد رجح دخول أمهات المؤمنين، رضوان الله عليهن، في هذه الآية ابتداء، وإن لم يضعف القول بأن المقصود بهم علي وفاطمة والحسن والحسين، رضوان الله عليهم، إذ يقول:
وقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}: وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا، إما وحده على قول أو مع غيره على الصحيح. اهـ
فإذا نزلت آية في واقعة بعينها، فإن دخول هذه الواقعة في الآية قطعي، لا يمكن إخراجه بتخصيص أو ما شابهه، إذ كيف يخرج منها وهي في الأصل ما نزلت إلا فيه، خلاف بقية الأفراد التي يشملها عموم الآية، فيمكن إخراجها بتخصيص ونحوه، والله أعلم.
ثم ذكر رواية الطبري، رحمه الله، عن عكرمة، رحمه الله، التي رجح فيها اختصاص أمهات المؤمنين، رضوان الله عليهن، بهذه الآية، وسبق أنها من طريق ابن حميد المتهم، ولكنه ذكر لها طريقا آخر عن ابن أبي حاتم قال:
حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا زيد بن الْحُبَاب، حدثنا حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس: .................... الحديث.
ثم اتبعها بقوله:
وقال عكرمة: من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
ويواصل ابن كثير، رحمه الله، فيقول:
فإن كان المراد أنهن كُنّ سبب النزول دون غيرهن فصحيح، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن، ففي هذا نظر، فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك. اهـ
ثم ذكر، رحمه الله، 6 روايات، تؤيد القول بأن المقصود بآل البيت: علي وفاطمة وولداهما الحسن والحسين، رضي الله عنهم، وأتبعها بحديث مسلم الشهير، الذي تكلف البعض تكلفا ممقوتا في الاستدلال به على مذهبه في عصمة أئمة آل البيت، ونص حديث مسلم، رحمه الله، كما ذكره ابن كثير، رحمه الله، في تفسيره:
وقال مسلم في صحيحه: حدثني زُهَير بن حرب، وشُجاع بن مَخْلَد جميعا، عن ابن عُلَيَّة -قال زهير: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثني أبو حَيَّان، حدثني يزيد بن حَيَّان قال: انطلقت أنا وحُصَين بن سَبْرَةَ وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيدُ خيرًا كثيرًا [رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتَ حديثه، وغزوتَ معه، وصليتَ خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا]، حَدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا بن أخي، والله لقد كَبرَت سِنِّي، وقدم عهدي، ونسيتُ بعض الذي كنتُ أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حَدّثتكُم فاقبلوا، وما لا فلا تُكَلّفونيه. ثم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيبا بماء يدعى خُمًّا - بين مكة والمدينة - فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وَذَكّر، ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، وأولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به". فَحَثّ على كتاب الله وَرَغَّب فيه، ثم قال: "وأهل بيتي، أذَكِّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي" ثلاثا. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصّدَقة بعده. قال: ومَنْ هم؟ قال هم آل علي، وآل عَقِيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حُرِمَ الصدقة؟ قال: نعم.
ثم رواه عن محمد بن بَكَّار بن الريَّان، عن حسان بن إبراهيم، عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حَيَّان، عن زيد بن أرقم، فذكر الحديث بنحو ما تقدم، وفيه: فقلنا له: مَنْ أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وايم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعَصبَته الذين حُرموا الصدقة بعده.
¥