تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وواكب ذلك ظهور كتب الطبقات، كطبقات محمد بن سعد، رحمه الله، المتوفى سنة 230 هـ، كاتب الواقدي، وطبقات خليفة بن خياط، ثم تلا ذلك طبقات مسلم رحمه الله، ولكتب الطبقات أهمية كبرى في تحديد اتصال الروايات وانقطاعها، فإننا نجد فيها تمييزا لطبقة الصحابة، وهي طبقة مقبولة الرواية مطلقة، وإن لم يثبت سماعها، فرواياتها المنقطعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي تعرف بـ "مراسيل الصحابة"، مقبولة مطلقا، لأن الساقط صحابي، وجهالته لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول، كما تقدم.

ونجد فيها أيضا تمييزا لطبقة المخضرمين الذين عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يلتقوا به، فروايتهم عنه مرسلة، تحتاج إلى سبر، وإن كان الغالب عليها أنها مقبولة لأنهم لا يروون غالبا إلا عن الصحابة لتقدم طبقتهم، فهم في أعلى طبقة كبار التابعين، ونجد تمييزا لطبقات دقيقة كطبقة التابعين الذين التقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وتحملوا عنه حال كفرهم، ومات وهم كفار فلم تثبت لهم الصحبة، فهم من طبقة كبار التابعين، ورغم ذلك فروايتهم متصلة، وأبرز مثال على ذلك: رواية التنوخي، رحمه الله، عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ونجد فيها تمييزا لطبقة كبار التابعين، الذين لم يعاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، كسعيد بن المسيب، وهي الطبقة التي قبل الشافعي، رحمه الله، مراسيلهم، على التفصيل الذي ذكره في "الرسالة"، ونجد فيها تمييزا لطبقة صغار التابعين كالزهري، رحمه الله، وهي الطبقة التي استوحش الشافعي، رحمه الله، من قبول مراسيلها، لكثرة الإحالات فيها، فردها مطلقا، وهكذا نجد في كتب الطبقات هذه الحدود الدقيقة التي تميز كل طبقة، وهذا من الجهود المتميزة لعلماء الرجال التي تثبت تحريهم في إثبات اتصال الروايات أو انقطاعها.

وظهرت أيضا الكتب التي اهتمت بتحرير أسماء الرواة، فصنف ابن المديني وأحمد والبخاري ومسلم في الكنى.

o وظهرت كتب الوفيات، التي اهتمت بتحرير تواريخ وفيات الرواة، ومنها كتاب أبي نعيم الفضل بن دكين، ويكاد يكون "التاريخ الأوسط" للبخاري مندرجا تحت هذا الصنف، ولهذه المصنفات أهمية كبرى في إثبات السماع أو نفيه، وقد وصلت دقة علماء الرجال إلى نفي سماع بعض الأبناء من آبائهم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:

o كلام المحدثين في سماع أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود من أبيه، فكثير من المحدثين على أنه لم يسمع من أبيه، وقد حكى النووي رحمه الله الاتفاق على ذلك نظرا لأنَّ أباه مات وهو صغير السن لا يتجاوز السابعة، وممن نصَّ على ذلك: عليُّ بنُ المديني، ويحيى بنُ معين، وأبو حاتم، والترمذيّ ُ، وابنُ حبان، والدارقطنيُّ، وغيرهم، ورغم ذلك فإن منهج تعامل النقاد مع هذا النوع من الانقطاع، يدل على سعة علمهم بالقرائن والمرجحات التي قد تخفى على كثير من المتأخرين، فإن أي ناظر غير خبير، سوف يسارع برد هذه الرواية وأمثالها مما ثبت فيها عدم السماع، "كرواية سعيد بن المسيب عن عمر"، على الرأي القائل بعدم سماعه من عمر، ولكن نظرة النقاد تختلف، فقد تتبعوا رواية أبي عبيدة عن أبيه فوجدوها خالية من المناكير، وانضم إلى ذلك أنَّ أبا عبيدة ابن لعبد الله بن مسعود، ولا شك أنَّ الأصل أنَّ الابن أعرف بأبيه من غيره، ولذا يقول يعقوب بن شيبة رحمه الله: (إنما استجاز أصحابنُا أن يدخلوا حديثَ أبي عبيدة عن أبيه في المسند – يعني في الحديث المتصل – لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحته، وأنه لم يأت فيه بحديث منكر)، وتابعه على ذلك من النقاد المتأخرين، ابن رجب الحنبلي، رحمه الله، المتوفى سنة 790 هـ، فقال: (وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة)، وقال أيضا: (وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه إلا أن أحاديثه عنه صحيحةٌ، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه، قاله ابن المديني وغيره)، ومعلوم أن أهل بيت الراوي هم أعلم الناس بحديثه، كما تقدم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير