تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبقيت ثغرة الكلام في عدالة الرواة، وبداية لا بد من التنبيه على ضرورة مراجعة شرط المصنف في الضعفاء، فقد يذكر في كتابه الثقة ومن تكلم فيه بما لا يضره، لأنه اشترط أن يذكر كل من تكلم فيه، وإن كان هذا الكلام لا يضره، وعلى هذا يحمل صنيع الذهبي والعقيلي وابن عدي، رحمهم الله، كما تقدم.

ومن أهم معالم منهج أئمة الجرح والتعديل، وضعهم الضوابط للرواية عن المبتدع، وهي مسألة جليلة، تدل على إنصاف أهل السنة في تعاملهم مع خصومهم، فلا إفراط بقبول رواية كل مبتدع، وإن كانت بدعته مكفرة، لأن هذا يؤدي لإدخال ما ليس في السنة فيها، ولا تفريط برد رواية كل من رمي ببدعة، لأن هذا يؤدي لإهدار جزء من السنة، فالاحتياط لا يكون ممدوحا إن أدى لرد أحاديث صحيحة بحجة أن رواتها ممن رموا ببدعة.

وخلاصة القول في هذه المسألة:

أن رواية المبتدع تقبل إن كان صادقا في نفسه، وكانت بدعته غير مكفرة بالإجماع، وأما تكفير بعض الفرق لبعضها، فلا يعتد به، كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر، رحمه الله، لأن هذه الفرق وقع منها الغلو في تكفير وتبديع المخالف، وعليه يحمل صنيع البخاري في صحيحه، حيث روى عن رجال اشتهروا بالصدق وهم أئمة في بدعهم كعمران بن حطان الخارجي، مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، والخوارج، وإن حكم عليهم بعض العلماء بالكفر، إلا أن القول الراجح فيهم أنهم من الفرق الضالة التي لا يحكم عليها بالكفر، وكذا الحال لمن تلبس ببدعة التشيع مع صدقه، فإن حديثه الذي لا يؤيد بدعته يقبل، وعليه تحمل رواية الشيخين عن بعض من تلبس ببدعة التشيع، وهذا من الإنصاف للمخالف الذي لا تجده إلا عند أهل السنة، فليس الأمر على إطلاقه، كما يدعي الإمامية، على سبيل المثال، إذ يزعمون أن البخاري، روى عن كذا وكذا راو شيعي، فيذكرون أرقاما ضخمة، كعادتهم في تضخيم ما يؤيد مذهبهم، أو أن ثلاثة أرباع رجال كتابه من الشيعة!!!!، ....... الخ، من الدعاوى البين بطلانها.

وأما من اشتهر بالكذب لترويج بدعته، تابعا كان أو متبوعا، فلا تقبل روايته، ويلتحق بهم غلاة الرافضة الذين يكفرون الشيخين وجل الصحابة رضوان الله عليهم، كما قرر ذلك الذهبي رحمه الله.

وهكذا فإننا نرى أئمة هذا الفن، قد تركوا تركة كبيرة، عكف عليها المتأخرون تصنيفا وتهذيبا وترجيحا، فعمل المتأخرين عمل نقدي بالدرجة الأولى لتحرير أقوال المتقدمين والترجيح بينها إن تعارضت.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير