تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بحثا وسبرا لمروياته وتتبعا لكلام أهل العلم المعتبرين فيه، والله أعلم.

وقد جمع ابن كثير، رحمه الله، المتوفى سنة 774 هـ، بين تهذيب المزي وميزان الذهبي في "التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل" مع زيادات وتحرير في العبارات وهو أنفع شئ للمحدث والفقيه.

ثم جاء عصر خاتمة الحفاظ، الحافظ ابن حجر، رحمه الله، صاحب الفتح، فصنف التهذيب وهو تهذيب لـ (تهذيب الكمال) والتقريب وهو تهذيب موجز للتهذيب، اكتفى فيه بذكر القول الراجح في الراوي، و لسان الميزان، الذي ضمنه ما في "ميزان الذهبي" مما ليس في تهذيب الكمال وزاد فيه جملة كثيرة.

والناظر في هذه الكتب، يظهر له مدى دقة وتحري وإنصاف أئمة الجرح والتعديل في الحكم على الرجال:

فقد عنوا بتتبع تواريخ ميلاد ووفاة الرواة، ودخولهم البلدان للسماع من الشيوخ، وكان هذا من الوسائل الفعالة لكشف الوضاعين، كما قرر ذلك جمع من العلماء منهم: سفيان الثوري، رحمه الله، إذ يقول: (لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ)، وحفص بن غياث، رحمه الله، حيث يقول: (إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين)، يعني سنه وسن من كتب عنه، وحسان بن يزيد، رحمه الله، حيث يقول: (لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ نقول للشيخ سنة كم ولدت، فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه)، ومن الأمثلة التي توضح ذلك:

· تحديث عمر بن موسى عن خالد بن معدان، فقيل له: متى لقيته؟ قال: سنة 108، قيل له: أين لقيته؟، قال في غزاة أرمينية، فقيل له: اتق الله يا شيخ، ولا تكذب، مات خالد بن معدان سنة 104، وأنت تزعم أنك لقيته بعد موته بأربع سنين، ثم إنه لم يغز أرمينية قط، كان يغزو الروم.

· ومن ذلك تكذيب ابن حبان، لمأمون بن أحمد الهروي، في ادعائه السماع من هشام بن عمار، رحمه الله، سنة 250 هـ، لأن هشاما توفي سنة 245 هـ.

· وما ذكره الذهبي، رحمه الله، في ترجمة راو ادعى السماع من عائشة، رضي الله عنها، في واسط، رغم أن مدينة واسط لم تكن موجودة زمن عائشة، لأنها توفيت سنة 58 هـ، وواسط أنشئت زمن الحجاج الذي حكم العراق من سنة 75 إلى 95 هـ. وعلق الذهبي رحمه الله على هذا بقوله: هكذا فليكن الكذب!!!!!.

· ولما سأل الحاكم، رحمه الله، محمد بن حاتم الكشي، عن سماعه من عبد بن حميد فقال: سنة 260 هـ، فقال: هذا سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة.

واهتموا بتحرير سماع الرواة من شيوخهم، فهناك أسانيد يظهر للوهلة الأولى، أنها متصلة، لتعاصر رواتها، ولكن عند التحقيق يتضح أن أحد رواتها لم يسمع من شيخه الذي يروي عنه، رغم تعاصرهما، وهذا ما يعرف بالإرسال الخفي، وهو من أدق ما يعل به الحديث، ولا شك أن تحرير سماع الرواة من شيوخهم، وإثبات لقائهم أو نفيه، لا يقدر عليه إلا من أحاط بأحوال الرواة وجمعها، وهذا عمل النقاد المجتهدين، فنجد ابن أبي حاتم، على سبيل المثال، وهو ممن أوتي آلة الاجتهاد المطلق، يقول عن أبي قلابة: كان يرسل عمن عاصره، ولا يعرف له تدليس، فأثبت عدم سماعه من معاصريه لعدم اللقاء، ونجدهم ينفون سماع الحسن البصري، رحمه الله، من أبي هريرة، رضي الله عنه، رغم تعاصرهما، بل ودخول أبي هريرة البصرة، لأن الحسن في هذا الوقت بالذات لم يكن موجودا في البصرة، فأي دقة بعد هذا؟!!.

وعنوا أيضا بإثبات الرؤية، فيقولون فلان رأى فلان ولكنه لم يسمع منه، كرواية الأعمش عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، فإنه لم يحمل عن أنس شيئا، وإنما رآه يخضب، ورآه يصلي، ورواية عطاء عن ابن عمر، رضي الله عنهما، فقد رآه، ولكنه لم يسمع منه شيئا، كما ذكر ذلك الحافظ العلائي رحمه الله.

ثم انتقلوا إلى مرحلة إثبات السماع إجمالا، فيقولون فلان سمع من فلان، دون تحديد لأحاديث معينة، ثم ينتقلون إلى مرحلة أدق، فيقولون فلان لم يسمع من فلان هذا الحديث بعينه، ولا شك أن هذا عمل في غاية الإتقان، بحيث يسد ثغرة الانقطاع في الأسانيد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير