بسم الله
السلام عليكم
جزاك الله خيرا، الأخ الجندي، على هذه الإحالة القيمة.
ومع كتب السنن:
وأولها، سنن أبي داود:
وعدة أحاديثها 4800 حديث، انتقاها أبو داود من خمسمائة ألف حديث، وغالبها في الأحكام، كما تقدم.
والملاحظ على هذا الكتاب، أن مصنفه أراد أن يجمع فيه الأحاديث المشهورة التي يحتج بها الفقهاء، فابتعد عن الغرائب.
وقد نص أبو داود، رحمه الله، على شهرة أحاديثه، في رسالته لأهل مكة، فقال: (والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير)، وحذر من الغرائب بقوله: (وأما الحديث الغريب فإنه لا يحتج به ولو كان من رواية الثقات من أئمة العلم. قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث، وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة فإن عرف وإلا فدعه).
وأبو داود، رحمه الله، كشيخه أحمد، يخرج الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه إذا لم يجد في الباب غيره، وإلى هذا أشار العراقي بقوله:
كان أبو داود أقوى ما وجد ******* يرويه، والضعيف حيث لا يجد
في الباب غيره، فذاك عنده ******* من رأي أقوى قاله ابن منده.
فلم يلتزم الصحة، وإنما أورد في كتابه الأحاديث الصالحة (للاحتجاج أو الاعتبار)، وهي تشمل الصحيح والحسن والضعيف الذي لم يشتد ضعفه، بل وأورد ما به وهن شديد، ولكنه التزم بيانه، فلم يورده مورد الاحتجاج أو الاعتبار، ولذا انحط كتابه عن الصحيحين لأن شرطه أدنى من شرطهما.
وأبو داود كشيخه أحمد، يحتج بالمرسل إذا لم يجد في الباب غيره، وفي هذا يقول في رسالته لأهل مكة: (وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيها، ("وهو بهذا يوافق الطبري، رحمه الله، في دعواه أن المرسل كان مقبولا إلى رأس المائتين حتى جاء الشافعي فرده ")، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره. فإذا لم يكن مسند غير المراسيل فالمرسل يحتج به وليس هو مثل المتصل في القوة)
وقد حاز هذا الكتاب ثناء العلماء، فمن ذلك:
· قول الغزالي، رحمه الله، وجماعة من الأصوليين: يكفيه [أي الفقيه المجتهد] أن يكون عنده أصل يجمع أحاديث الأحكام ((كسنن أبي داود)) و ((معرفة السنن)) للبيهقي، أو أصل وقعت العناية فيه بجمع أحاديث الأحكام، ويكتفي فيه بمواقع كل باب فيراجعه وقت الحاجة وتبعه على ذلك الرافعي، وإن كان النووي، رحمه الله، قد نازع في هذه المسألة، وقال: لا يصح التمثيل ((بسنن أبي داود)) فإنها لم تستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام، ولا معظمها، وكم في ((صحيح البخاري)) و ((مسلم)) من حديث حكمي ليس في ((سنن أبي داود))، وتابعه ابن دقيق العيد، كما تقدم، ولا شك أن هذا أمر أغلبي، فليس معنى القول باستيعاب أبي داود لأحاديث الأحكام أنه لم يفته حديث واحد منها.
· وقال السخاوي، رحمه الله، في ((فتح المغيث)): قال (النووي) في خطبة ((شرحه)) أنه ينبغي للمشتغل بالفقه ولغيره الاعتناء به [أي ((سنن أبي داود))]، وبمعرفته المعرفة التامة، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه، مع سهوله تناوله، وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه، واعتناءه بتهذيبه. اهـ
· وقال أبو جعفر ابن الزبير رحمه الله: (لأبي داود) في استيعاب أحاديث الأحكام ما ليس لغيره. اهـ
وكتاب أبي داود، رحمه الله، كما تقدم، من الكتب التي تفيد المجتهد في الاستدلال على استنباطاته، فليس كل طالب علم مؤهلا للنظر فيه، لأنه من الكتب العالية في مادتها العلمية.
سنن الترمذي:
وقد اشتهرت بـ "جامع الترمذي"، لأنها كما تقدم، لم تقتصر على أحاديث الأحكام فقط.
وكتاب الترمذي، رحمه الله، من أفضل الكتب التي جمعت بين الحديث والفقه، فقد حرص مصنفه على ذكر أقوال الصحابة، رضوان الله عليهم، ومن بعدهم في مسائل الباب، حتى عد كتابه من موسوعات "الفقه المقارن"، وهو كتاب سهل في تناوله، يفيد المتعبد والمجتهد، وخاصة أن الترمذي، رحمه الله، قد عني بالحكم على أحاديثه، فكفى المقلد مؤونة البحث عن درجة ما أورده، وإن نوزع في بعض أحكامه، فقد وصفه بعض العلماء بالتساهل في أحكامه، فقال الذهبي: لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي، وقال ابن دحية: كم حسن الترمذي من
¥