· أولا: أن يكون هذا الراوي مجروحا من غيره، موثقا عنده، لأنه لم يثبت عنده جرح هذا الراوي، أو ثبت ولكنه في نظره غير قادح.
· ثانيا: أن يكون ذلك واقعا في المتابعات والشواهد لا في الأصول، وقد اعتذر الحاكم أبو عبد الله بالمتابعة والاستشهاد في إخراج مسلم عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح منهم مطر الوراق وبقية بن الوليد ومحمد بن إسحاق، صاحب المغازي، وعبد الله بن عمر العمري، والنعمان بن راشد وغيرهم.
· ثالثا: أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به مسلم طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث عليه فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته كما هو حال أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، فقد ذكر الحاكم أبو عبد الله أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق وغيرهما ممن اختلط آخرا، ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك.
· رابعا: أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفة أهل الشأن في ذلك. وعلى هذا يحمل صنيع مسلم في روايته عن مجموعة من الضعفاء كأسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصري. وهذا يشبه صنيع المستخرج تماما، فالحديث ثابت من طريق صاحب المصنف الأصلي، فلا إشكال في الحكم بصحته، ولكن طريقه نازل، فيلجأ المستخرج إلى طريق آخر عال، وإن انحطت درجة رجاله عن رجال طريق صاحب الكتاب الأصلي، لأن الحديث ثابت بكل حال.
وأحاديث الصحيحين، تفيد العلم النظري، عند الجمهور، كما قرر ذلك ابن الصلاح، رحمه الله، في "علوم الحديث"، حيث ذكر أولا مذهب المخالف: وهو أن أحاديث الصحيحين كغيرها من الأحاديث الصحيحة تفيد الظن الموجب للعمل (وهو الرأي الذي قرره النووي والعز بن عبد السلام رحمهما الله)، وذكر أنه كان يميل لهذا الرأي، ثم بدا له أنها تفيد العلم النظري (أي العلم الذي يكتسب بقرائن ومرجحات تحتف به، خلاف العلم الضروري فهو علم مكتسب بالفطرة الضرورية دون نظر في قرائن ومرجحات)، وحجته في ذلك أن الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول، وظن الأمة بأكملها معصوم فهو بمثابة العلم لاستحالة أن تجتمع هذه الأمة على خطأ، فلا يعقل أن يتلقى الصحيحان بالقبول طوال هذه القرون، دون أن يستفاد منهما العلم، وممن وافق ابن الصلاح على هذا المذهب أبو عبد الله الحميدي الأندلسي، المتوفى سنة 488هـ، وأبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، المتوفى سنة 507 هـ.
وفي هذا يقول العراقي رحمه الله:
واقطع بصحة لما قد أسندا ******* كذا له وقيل ظنا ولدى
محققيهم قد عزاه النووي ******* وفي الصحيح بعض شيء قد روي
فالبيت الأول، يؤيد مذهب الجمهور، وهو القطع بنسبة أحاديث الصحيحين للرسول صلى الله عليه وسلم، والبيت الثاني يوضح مذهب النووي، رحمه الله، في هذه المسألة، وهو مذهب مرجوح، كما تقدم.
وحتى من وافق المتكلمين في أن أحاديث الآحاد تفيد الظن لا العلم، كابن حجر، رحمه الله، في "نزهة النظر"، استثنى أحاديث الصحيحين، وقال بأنهما يفيدان العلم النظري، للقرائن المحتفة بهما، كتقدم صاحبي الصحيحين وجلالتهما في هذا الشأن ومعرفتهما بشرائط الصحة. وهو بهذا يرد على من قال بأن هذه القرائن لا تفيد أكثر من إجماع الأمة على تحقق شروط الصحة الخمسة فيها، دون أن تفيد القطع بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها، أو بأنها تفيد إجماع الأمة على وجوب العمل بها، إذ لو سلمنا بهذين الفرضين، فأي فضل يبقى لأحاديث الصحيحين، على بقية الأحاديث الصحيحة الأخرى، وقد أجمعت الأمة على توفر شروط الصحة في الحديث الذي حكم عليه النقاد بالصحة، وعلى وجوب العمل به؟.
وسوف نؤجل الكلام على شرطهما، لحين عرض منهج أصحاب السنن، حتى تكون المقارنة بين الكتب الستة كاملة إن شاء الله.
وقد أطلت بعض الشيء في الكلام عن الصحيحين، ورغم ذلك ففي الكلام إيجاز وقصور، لمناسبة الحال، والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
ـ[الجندى]ــــــــ[19 - 09 - 2006, 02:03 ص]ـ
للفائدة: بيان حجية السنة والرد على مختلف الشبهات
http://www.eltwhed.com/vb/forumdisplay.php?f=30
ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 09 - 2006, 05:42 م]ـ
¥