تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما الركيزة الثانية في اتهام هذا الشيخ المعاصر لشيخ الإسلام، رحمه الله، بالكفر فهي:

دعواه التي تعدى فيها وظلم لما قال بأن ابن تيمية وأتباع المنهج السلفي، يكفرون عوام المسلمين لأنهم يدعون غير الله، وهم لا يقولونها هكذا صريحة لئلا يفتضح أمرهم، وإنما يقولون بأنه وأتباعه يكفرون من يقول: يا رسول الله، يا علي، يا حسين، يا بدوي، .......................... ، وهي تهمة تروق لكثير من المتصوفة والإمامية أصحاب البدع القبورية المغلظة التي يكفر صاحبها بعد إقامة الحجة الرسالية عليه، لأن فيها صرفا صريحا لعبادات لا تصرف إلا لله، فالذبح والنذر و .................. الخ، عبادات لا يجوز التقرب بها لغير الله، عز وجل:

قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، فسمى الدعاء عبادة، وتوعد من صرفها لغيره بدخول النار صاغرا ذليلا، والوعيد في الآية، وهذا مناط المسألة، مقيد باستجماع الشروط وانتفاء الموانع، وليس على إطلاقه، فالوعيد لا يلحق صاحبه إذا تاب قبل موته أو قام به أحد موانع نفاذ الوعيد كالجهل والنسيان ................... الخ.

وقال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، ثم قرأ الآية السابقة، كما روى الترمذي، رحمه الله، وقال: حديث حسن صحيح.

وروى مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض).

قال تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

يقول شيخ الإسلام، رحمه الله، في قوله تعالى: (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ): ظاهره أن ما ذبح لغير الله مثل أن يقول: هذه الذبيحة لكذا، وإذا كان هذا هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ.

وإلى بعضها أشار الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، رحمه الله، بقوله:

ثم العبادة هي اسم جامع ******* لكل ما يرضى الإله السامع

وفي الحديث مخها الدعاء ******* خوف توكل كذا الرجاء

ورغبة ورهبة خشوع ******* وخشية إنابة خضوع

والاستعاذة والاستعانة ******* كذا استغاثة به سبحانه

والذبح والنذر وغير ذلك ******* فافهم هديت أوضح المسالك

وصرف بعضها لغير الله ******* شرك وذاك أقبح المناهي

وبطبيعة الحال يستغل هذا الشيخ جهل عوام المسلمين بحقيقة هذه الأعمال الكفرية، وجهلهم بقاعدة "العذر بالجهل"، و "الفرق بين كفر النوع وكفر العين"، يستغل الجهل بكل هذه الأصول، ويرمي بهذه الشبهة ليثير عواطف عوام المسلمين ممن تلبسوا بهذه البدع ظنا مهم أنها تقربهم إلى الله زلفى، وليته عرض منهج ابن تيمية، رحمه الله، عرضا مفصلا، وإنما بتره بترا ليقتطع منه ما يؤيد تهمته الجائرة، وكأنه يخاطب عوام المسلمين: أيها المسلمون: خذوا حذركم من أتباع المنهج السلفي فهم "تكفيريون"، يكفرون عموم الأمة، وينتقصون آل البيت، عليهم السلام، والسلام هنا مني لا حكاية عنه، وينكرون كرامات الأولياء ويهينون السادة .............. الخ، فهلا بسطت القول بسطا كاملا أم أن لك غرضا في بتر الكلام؟

ومن يدري، ربما كان حال هذا الشيخ، كحال الرازي، رحمه الله، الذي ظننا به أنه كان: ينصر ما يراه حقا، فيعذره الله بجهله، بل ويثيبه إن قصد إظهار ما يعتقده حقا دون تعصب أو هوى أو إعراض، والموعد الله بينه وبين من كفره فهو يحكم بينهما فيما كانا فيه يختلفان، والله أعلم.

وما أشبه القوم بالغرب اليوم، فالغرب يرفض الإسلام جملة وتفصيلا، مع أنه، وإن ادعى الموضوعية، لم يجشم نفسه عناء النظر في المنهج الإسلامي بتجرد وإنصاف، فكذا القوم رفضوا شيخ الإسلام جملة وتفصيلا وانطلقوا من خلفيات سابقة ليقرءوا كتبه وأبحاثه، لا رغبة في التعرف على منهج الرجل، وإنما بحثا عن عيوبه ومثالبه، والرجل ليس بالمعصوم، ومن تتبع أقوال أي عالم من علماء الأمة ابتداء من الصديق، رضي الله عنه، إلى آخر عالم ستخرجه أرحام نساء هذه الأمة، فإنه سيجد فيها ما هو مردود على صاحبه، فلا عصمة لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن القوم لا يقعون إلا على الأقوال المشتبهة أو الخاطئة، والأليق في حق شيخ الإسلام وكل عالم، أن يقال: المرجوحة، لا يقعون إلا على مثل هذه الأقوال، كما يقع الذباب على الجروح والقروح، لتكون مستندهم في التشنيع على شيخ الإسلام، رحمه الله، في كل موطن، فيبترون نصوصه، كما تفعل الإمامية في نصوص "منهاج السنة" الذي كان سيفا سله شيخ الإسلام، رحمه الله، على ابن المطهر الحلي، فيعمد القوم إلى النصوص التي نسبها شيخ الإسلام إلى النواصب، أعداء آل البيت عليهم السلام، لينسبوها إليه، فتروج شبههم على بسطاء الناس ممن لا يعرفون "منهاج السنة"، أصلا، والإنصاف عزيز، ولا يطمع عاقل في إرضاء كل الناس على اختلاف مشاربهم وأذواقهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير