تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالمظهر غير العمل، فالميل للتملك غير التملك، لأن الميل للتملك شعور في نفس الإنسان تجاه الأشياء لضمها إليه وحيازتها، بينما التملك هو القيام بالعمل. كشراء سيارة أو سرقة مال، فالمظهر لا يشبع الغريزة، وإنما العمل الذي يدفع إليه المظهر هو الذي يشبع الغريزة أو يحقق جزءاً من الإشباع ... فالميل لإرضاء الله غير العبادة، لأن العبادة تشبع غريزة التدين، بينما مجرد الميل لا إشباع منه ... والميل الجنسي لا يشبع غريزة النوع، بينما جماع الرجل المرأة يشبع بعض هذه الغريزة، وإن تكرر هذا الجماع بينهما دون إنجاب أطفال، أصبح هذا العمل غير مشبع للغريزة من جهة هذا المظهر، لأن الأصل في العمل الناتج عن المظهر أن يخدم الغريزة التي ينتمي إليها هذا المظهر ... فالجماع دون إنجاب لا يتحقق فيه الإشباع الكامل، لأنه لا يؤدي إلى استمرار بقاء النوع الإنساني، فلا يخدم غريزة النوع.

والمظاهر قنوات جاذبة لما يشبع الإنسان من خارج الإنسان، فغريزة البقاء مثلاً، موجودة للمحافظة على بقاء الإنسان بفرديته، وهي تتطلب إشباعاً من خارج الإنسان عبر هذه القنوات المتمثلة في مظاهر غريزة البقاء (كالميل للتملك، والسيادة والسيطرة والشجاعة وغيرها) من أجل جذب الأشياء اللازمة لإشباع هذه الغريزة.

هذه الغرائز، وما يتفرع عنها من مظاهر تتفاوت قوة وضعفاً بين إنسان وآخر، وتتفاوت قوة وضعفاً في الفرد نفسه، وتتفاوت قوة وضعفاً تبعاً لنوعية المثيرات الخارجية لها، وتبعاً للعمر الذي وصل إليه الإنسان.

فنجد إنساناً ممتلئاً حيوية يريد أن يشبع غرائزه الثلاث القوية عنده بنهم، ونجد إنساناً آخر في سنه كسولاً ضعيفاً يكتفي بالقليل القليل لإشباع هذه الغرائز الضعيفة عنده، ومن جهة أخرى نجد إنساناً منصرفاً ليشبع غريزة البقاء القوية لديه أو غريزة النوع، وغير مهتم لإشباع غريزة التدين ... أو نلاحظ أن حنان الأم والتعلق بها يصرف شخصاً عن الميل الجنسي وحبه لزوجته أو بالعكس ... ونلاحظ أن الميل الجنسي غالباً ما يكون قوياً في سن الشباب، ثم يبدأ بالضعف في سن الشيخوخة .. وأن الانصراف إلى العبادة والخوف من الآخرة غالباً ما يكون أشد في سن الشيخوخة منه في سن الشباب.

هذا التفاوت في الغرائز بين الناس، جعل بعضهم يقدم على القيام بأعمال لا يقدم عليها بعضهم الآخر، إما بسبب القوة والضعف في الغرائز وإما بسبب التفاوت بين المثيرات .. مما جعل أحكام الناس على الأفعال والأشياء التي لها علاقة بإشباع غرائزهم تختلف وتتفاوت وتتناقض وتتأثر بالبيئة أي بالمثيرات الخارجية ... وقد أدى ذلك إلى تنوع في الإشباعات، منها الإشباع الصحيح وهو قيام الشخص بعمل لإشباع غريزة بشيء هو محل لإشباعها، وبالطريقة التي حددها النظام الصحيح لهذا الإشباع، فإتيان المرأة بعقد صحيح يكون إشباعاً للميل الجنسي وهو إشباع صحيح لغريزة النوع، لأن المرأة وهي المثير الخارجي للميل الجنسي، هي المحل الذي خلقه الله ليشبع الرجل هذا الميل فيه، ونظم العمل لإشباع هذا الميل بالزواج.

وأما إن أتى الرجل امرأة لا تحل له، أو أتاها بدون زواج، كان إشباعه للميل الجنسي خاطئاً، لأنه إشباع مخالف للنظام الصحيح وإن كان في محل الإشباع. وإن أتى الرجل بهيمة أو ذكراً مثله، كان إشباع الميل الجنسي شاذاً لأنه إشباع للغريزة في غير محل إشباعها، وفي نفس الوقت إشباع مخالف للنظام الصحيح للإشباع.

وإشباع غريزة التدين بأمر الله للإنسان بعمل معين كالصلاة مثلاً هو إشباع صحيح، وأما عبادة الله بما لم يأمر به كدوران الإنسان حول نفسه فهو إشباع خاطئ، وإن كان قصد العابد إرضاء الله.

وأما عبادة الأصنام باعتبارها آلهة فإنه إشباع شاذ، لأنها ليست محلاً لإشباع غريزة التدين، لأنها لا تشبع الشعور بالنقص والعجز الموجود عند الإنسان، ولأنها – أي الأصنام – أكثر عجزاً من الإنسان.

وإشباع غريزة البقاء بما أمر الله به من أعمال كالتملك بالشراء، إشباع صحيح، وإشباعها بالسرقة لأموال الآخرين إشباع خاطئ لأن السرقة حرمها الشرع، وأما إشباع غريزة البقاء من قبل المسلم عن طريق التجارة مثلاً ليتملك خمراً أو خنزيراً فهو إشباع شاذ لأن هذه الأشياء المحرمة لا قيمة لها في الإسلام، ولا يجوز امتلاكها. فهي ليست محلاً للإشباع.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير