نعم، استراح وانشرح صدره وأحسن الظن بربه فأقبل على الطاعة مستعينا بمن خلقه وخلق فعله، وإن قال: لا، فهو على خطر عظيم.
فالله، عز وجل، عند أهل السنة، خالق لفعل العبد، والعبد فاعل لقدرة حقيقية مؤثرة، والله أعلم.
ويكفينا، أيضا، من قول الزمخشري، غفر الله له، في هذا الموضع قوله:
{ابتلى إبراهيم رَبُّهُ بكلمات} اختبره بأوامر ونواه. اهـ
إذ اتفق مع كل من سبق في أن الابتلاء هنا تكليفي شرعي بأوامر ونواه. اهـ
ومن المعاصرين يقول ابن عاشور رحمه الله:
والابتلاء افتعال من البلاء، وصيغة الافتعال هنا للمبالغة والبلاء الاختبار، ..................... ، والمراد هنا التكليف لأن الله كلفه بأوامر ونواه إما من الفضائل والآداب وإما من الأحكام التكليفية الخاصة به.
فمناط الأمر عنده، كما تقدم من كلام سابقيه، الأمر والنهي الشرعيين.
وقد أشار إلى حصر الإمامة في إمامة النبوة بقوله:
ويجوز أن يكون الابتلاء هو الوحي بالرسالة ويكون قوله: {إني جاعلك للناس إماماً} تفسيراً لابتلى. اهـ
وهو الرأي الذي مال إليه الألوسي، رحمه الله، كما تقدم.
وأشار إلى معنى "الإمام" بكلمة موجزة فقال:
والإمام الرسول والقدوة. اهـ
وفسر الكلمات بقوله:
وأَجْمَلَها هنا إذ ليس الغرض تفصيل شريعة إبراهيم ولا بسط القصة والحكاية وإنما الغرض بيان فضل إبراهيم ببيان ظهور عزمه وامتثاله لِتكاليف فأتَى بها كاملة فجوزي بعظيم الجزاء، وهذه عادة القرآن في إجمال ما ليس بمحل الحاجة، ولعل جمع الكلمات جمعَ السلامة يؤذن بأن المراد بها أصول الحنيفية وهي قليلة العدد كثيرة الكلفة، فلعل منها الأمر بذبح ولده، وأمره بالاختتان، وبالمهاجرة بِهاجَر إلى شقة بعيدة وأعظم ذلك أَمْرُه بذبح ولده إسماعيل بوحي من الله إليه في الرؤيا، وقد سمي ذلك بلاء في قوله تعالى: {إن هذا لهو البلاء المبين}. اهـ
فالمهم عنده أنها تكاليف شرعية، أيا كانت، والله أعلم.
وأما الشنقيطي، رحمه الله، فيقول:
قوله تعالى: {قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين}.
يفهم من هذه الآية أن الله علم أن من ذرية إبراهيم ظالمين. وقد صرح تعالى في مواضع أخر بأن منهم ظالماً وغير ظالم، كقوله: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 113]، وقوله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِه} [الزخرف: 28] الآية. اهـ
فالإمامة ليست ميراثا، كما تقدم، وإلا لورثها آل إبراهيم من يهود ونصارى وعرب، وإنما هي منزلة في الدين، غير مقصورة في بيت من البيوت، أو جنس من الأجناس، من استوفى شروطها نالها، نبيا كان أم وليا، عربيا كان أم أعجميا، من بيت نبوة كان، كآل البيت الذين ما بدلوا ولا حادوا عن سنة جدهم صلى الله عليه وسلم، أم لم يكن.
والله أعلى وأعلم.