ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[17 - 08 - 2006, 09:51 م]ـ
5 -
هذا كله على فرض أن أخبار نزوله أخبار آحاد، فكيف وقد نص العلماء على تواترها، وفي مقدمتهم إمام المفسرين الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 451) عند تفسير آية آل عمران حيث قال: بعد أن ذكر الخلاف في معنى وفاة عيسى: " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قولُ من قال: " معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ "، لتواتر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال "، ثم ساق بعض الأحاديث الواردة في نزوله.
وممن نص على التواتر أيضاً الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير آية الزخرف (4/ 167) فقال رحمه الله: " وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً "، ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثاً يضيق المقام بذكرها.
وقال في تفسير آية النساء (1/ 768): " فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رواية أبي هريرة و ابن مسعود و عثمان بن أبي العاص، و أبي أمامة و النواس بن سمعان و عبد الله بن عمرو بن العاص، و مجمع بن جارية، و أبي سريحة،و حذيفة بن أسيد رضي الله عنهم، وفيها دلالة على صفة نزوله، ومكانه من أنه بالشام، بل بدمشق عند المنارة الشرقية، وأن ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح، وقد بنيت في هذه الأعصار في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة منارة للجامع الأموي بيضاء، من حجارة منحوتة عوضاً عن المنارة التي هدمت بسبب الحريق المنسوب إلى صنيع النصارى. . . . . وقويت الظنون أنها هي التي ينزل عليها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام. . . إلخ.
وممن نص على التواتر الشوكاني رحمه الله في كتاب له بعنوان: " التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح "، وكذلك الكتاني رحمه الله في كتابه: " نظم المتناثر من الحديث المتواتر "، و صديق حسن خان في كتابه " الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة "، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند، و الغماري في كتابه " عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام "، و الألباني في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز.
وممن جمع الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري (ت1352هـ) في كتابه: " التصريح بما تواتر في نزول المسيح، حيث ذكر أكثر من سبعين حديثاً.
إذاً فأحاديث نزوله عليه السلام في آخر الزمان ثابتة بالتواتر المعنوي، ولو كانت آحاداً لكان واجباً علينا التسليم بها، والإيمان بمضمونها، فكيف وقد ثبتت بالتواتر.
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[17 - 08 - 2006, 09:54 م]ـ
6 -
دعوى الاضطراب
وأما الزعم بأنها أحاديث مضطربة في متونها، منكرة في معانيها فهي دعوى غير صحيحة لأن تلك الروايات كلها متفقة على الإخبار بنزول عيسى وأنه يقتل الدجال والخنزير، ويكسر الصليب. . . . . . . إلخ، وغاية ما في الأمر أن بعضاً منها يفصل ذلك، وآخر يجمله، وبعضاً يوجز وآخر يطنب، كطريقة القرآن حين يورد القصة الواحدة في سور متعددة، بأساليب مختلفة، يزيد بعضها على بعض، بحيث لا يمكن جمع أطراف القصة إلا بقراءة كل السور التي ذكرت فيها.
فجعل هذا الاختلاف الذي يقوي شأن الحديث، ويدل على تعدد مخارجه، من باب التعارض الموجب للاضطراب خطأ بين، وعلى فرض وجود هذا التعارض فإن الجمع بين هذه الأحاديث بما ينفي عنها صفة الاضطراب غير متعذر، هذا لو قلنا بوجود التعارض فيما بينها.
دعوى عدم الإحكام
وأما الزعم بأنها ليست محكمة الدلالة، ومن أجل ذلك أولها العلماء فهو زعم باطل لا أساس له من الصحة، بل هو تحريف وتبديل للنصوص الثابتة الصريحة من غير ما حجة ولا قرينة، فقد نصت الأحاديث صراحة على نزوله عليه السلام بشخصه وصفته، بين مهرودتين، واضعاً يديه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، وأنه يدرك الدجال بباب لد فيقتله، ويأتي قوماً قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة ... إلخ حديث النواس بن سمعان، ونصت على أنه يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون كما في مسند أحمد بسند صحيح، فهل يصح من عاقل يعرف اللغة ومفرداتها، فضلاً عمن ينتسب إلى العلم أن يفسر ذلك بغلبة رسالته، وتعاليمه التي تأمر بالرحمة والمحبة والسلم، وتدعو إلى الأخذ بمقاصد الشريعة دون ظواهرها، وهل يعقل أن يكون الذي يدفن ويصلي عليه المسلمون هي تعاليمه ورسالته.
هل هذا إلا من العبث والتلاعب والاستخفاف بالعقول الذي ينبغي أن ن أنأنينزه عنه كلام العقلاء من البشر، فضلاً عن كلام من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند: " وقد لعب المجددون، أو المجردون في عصرنا الذي نحيا فيه بهذه الأحاديث الدالة صراحة على نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، قبل انقضاء الحياة الدنيا، بالتأويل المنطوي على الإنكار تارة، وبالإنكار الصريح أخرى، ذلك أنهم في حقيقة أمرهم لا يؤمنون بالغيب أو لا يكادون يؤمنون، وهي أحاديث متواترة المعنى في مجموعها، يعلم مضمون ما فيها من الدين بالضرورة، فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل ".
¥