تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "اقتضاني لحادثٍ حَدَث ـ أدنى ماله من الحق علينا، بَلْهَ ما أوجب اللهُ من تعزيرِه ونصرِه بكل طريق، وإيثارِهِ بالنفسِ والمالِ في كلِّ موطنٍ، وحفظهِ وحمايتهِ من كل مُوذٍ، وإن كان اللهُ قد أغَنى رسولَه عن نصرِ الخَلْق، ولكن ليَبْلُوَ بعْضَكُم بِبِعض ولِيَعْلَم اللهُ مَنْ يَنْصُرهُ [ورسلَه] بالغيب؛ ليُحِقَّ الجزاءَ على الأعمالِ كما سبقَ في أُمِّ الكتاب ـ أن أذكُر ما شُرع من العقوبة لمن سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من مُسْلم وكافِرٍ، وتَوابعَ ذلك ذِكراً يتضمَّنُ الحكمَ والدليلَ، ونقلَ ما حضرني في ذلك من الأقاويل، وإردافَ القول بحظِّه من التعليل، وبيانَ ما يجبُ أن يكونَ عليه التعويل".

مضمون الكتاب

دار كتاب الشيخ رحمه الله على أربع مسائل:

المسألة الأولى: في أن الساب يُقْتَل. سواءٌ كان مسلماً أو كافراً.

المسألة الثانية: أنه يتعين قتلُه وإن كان ذِميّاً؛ فلا يجوز المنُّ عليه، ولا مُفَاداتُه.

المسألة الثالثة: في حُكمِه إذا تاب.

المسألة الرابعة: في بيانِ السَّبِّ، وما ليس بسبٍّ، [والفرق بينه وبين الكفر].

المسألة الأولى

نقل فيها عدة إجماعات ثم حرر القول أنَّ السابَّ إن كان مسلماً فانه يَكفُرُ ويُقْتَلُ بغير خلاف، وأنه مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم مثل إسحاقُ بن رَاهُوْيَه، وإن كان ذمِّيّاً فإنه يقتل أيضاً في مذهب مالكٍ وأهْلِ المدينة، وهو مذهبُ أحمد وفقهاءِ الحديث وقد نَصَّ أحمدُ على ذلك في مواضعَ متعددة.

ثم ذكر الخلاف في انتقاض عهد الذمي الساب، وانتصر لقول من قال إنه ينتقض عهده بذلك فقال: "والدلالةُ على انتقاض عهد الذميِّ بسبِّ اللهِ أو كتابِه أو دينهِ أو رسولهِ، ووجوبِ قتلهِ وقتلِ المسلم إذا أتى ذلك: الكتابُ، والسنة، وإجماعُ الصحابةِ والتابعين، والاعتبارُ".

وقد أسهب الشيخ رحمه الله في هذه المسألة التي استوعبت ثلث الكتاب تقريبا، وفي ثناياها ذكر سنة الله فيمن يؤذون الله ورسوله ولا يقدر المسلمون على الانتقام منه فقال: "ومن سنة الله أن من لم يمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله؛ فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه، كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكاتب المفتَري، وكما قال سبحانه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِيَن * إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهزِئِين}.

والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهل السير والتفسير، وهم على ما قيل نفر من رؤوس قريش: منهم الوليد بن المغيرة، و العاص بن وائل، والأسودان بن المطلب وابن عبد يغوث، والحارث بن قيس.

وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يُسْلم، لكن قيصر أكرم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فَثَبَتَ ملكه، فيقال: إن الملك باقٍ في ذريته إلى اليوم، و كسرى مَزَّقَ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، و لم يبق للأكاسرة ملك، وهذا ـ والله أعلم ـ تحقيق قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}؛ فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله تعالى يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره، وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل، أو في عقبة بن أبي معيط أو في كعب بن الأشرف، وقد رأيت صنيع الله بهم.

ومن الكلام السائر: "لحوم العلماء مسمومة" فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام.

وفي "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى "مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَ ْ بَارَزَنِي بِالمُحَارَبَةِ".

فكيف بمن عادى الأنبياء؟ ومن حارب الله حُرِبَ، وإذا استقريت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أهلكوا حين آذوا الأنبياء [وقابلوهم] بقبيح القول أو العمل، وهكذا بنو إسرائيل إنما ضربت عليهم الذلة، وباؤوا بغضب من الله، ولم يكن لهم نصير لقتلهم الأنبياء بغير حق مضموماً إلى كفرهم، كما ذكر الله ذلك في كتابه، ولعلك لا تجد أحداً آذى نبياً من الأنبياء ثم لم يتب إلا ولابد أن يصيبه الله بقارعةٍ، وقد ذكرنا ما جرَّبه المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرضوا لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغنا [مثل] ذلك في وقائع متعددة، وهذا باب واسع لا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير