تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقه الأولويات فقهٌ عجيبٌ وبديعٌ، من لم يرْعه حق رعايته ويعتنِ به عنايةً تليق به، فاته من الخير ما إنّ حسرته لتطول، والغبن فيه ظاهرٌ ومبين، أما من أخذه بعين الاعتبار فقد حصّل من الخير ما يشكر به ربّه آناء الليل وأطراف النهار، ولم يفتْه بابٌ من أبواب الخير إلا ضرب فيه بسهم، وأخذ منه نصيبه.

ولِتَقف على جمال هذا الفقه وأهميته، سأضرب لك أمثلة تجلِّيه:

1 - الأذان وقراءة القرآن

رفع المؤذِّن صوته بالنداء للصلاة حين كنتَ منهمكاً في تلاوة كتاب الله، فهل تستمر في تلاوتك أم تقطعها وتردد مع المؤذِّن؟

كما ترى فكلاهما خيرٌ وبرّ

فقه الأولويات يقول لك:

اقطع قراءتك وردد مع المؤذِّن، فإن الأذان ينتهي وقته بانتهاء المؤذِّن من آخر جملة، فثوابه محدودٌ بوقتٍ محدد، بينما قراءة القرآن لا حدّ لها بوقتٍ ولا بمقدار، وبهذا تجمع بين الأجرين ولا يفوتانك.

2 - الصلاة على الجنازة وقضاء الفريضة

دخلتَ المسجد وقد سلّم الإمام وكبّر للصلاة على الجنازة، فهل تكبِّر معه أم تقضي الصلاة الفائتة؟

فقه الأولويات يقول لك:

صلِّ على الجنازة لأنها تفوت، ثم بعد ذلك يمكنك قضاء الصلاة الفائتة.

3 - تعارض واجبٌ مع مندوبٍ بحيث لا يمكن الجمع بينهما

مثل تعارض طاعة الوالدين مع طلب العلم الشرعي الزائد عن الضرورة

فقه الأولويات يحكم:

بأن يقدِّم الواجب وهو طاعة الوالدين ثم المندوب وهو الثاني

4 - تعارض الوقوع في محرّمٌ مع الوقوع في محرَّمٍ أخف منه، بحيث لا يمكن تلافيهما جميعاً

مثل تحقق وقوع رجُلٍ في الزنا أو جلد عميرة

فقه الأولويات يقول لك:

ارتكب الأخف وهو الثاني، ولكن مع شرط التحقق لا التوهّم.

هذا هو فقه الأولويات

وفيما يخصنا في هذه الحلقات، فمن المهم جداً لمن أراد أن يظفر بالخير كله ويرعى مصلحة نفسه، أن يهتم بفقه الأولويات، بل إنه في بعض حالاته يكون مراعاة فقه الأولويات من الواجبات الحتمية.

ها أنت اليوم طالب علمٍ مبتديء! ومعنى ذلك أنك ضعيفٌ في العلم ولو أمضيتَ عمُراً في مصاحبة العلماء، وسماع الأشرطة وقراءة الكتب، فما دمتَ لا تستظهر المسائل، فأنت طالب علم صغيرٍ، إذن فأنت لست طالب علمٍ متمكِّن نستطيع أن نقول عنك إنك من كبار طلاّب العلم.

لأجل هذا فإن وقتك زاحمه أمران؛ طلب العلم، ومجادلة كاتبٍ في الإنترنت حول فلانٍ وعِلاّن!

فقه الأولويات يقول لك:

أقبل على الأول واترك الثاني ولا تدخل في جدالٍ مع هذا وذاك وهؤلاء وأولئك، لأن إمضاء الوقت في طلب العلم تعلّماً ومراجعةً ومدارسة والاستزادة منه أولى من المجادلة وتبادل الردود.

ومثله قضاء الساعات في نقاش قضايا نوقشتْ من غيرك مع غيره كثيراً في كثيرٍ من المنتديات أو القراءة في العلم.

فقه الأولويات يقول لك:

قل له يبحث في جوجل أو قوقل! ولا تناقشه، وأقبل أنت على القراءة في العلم.

ومثله الانشغال بفرض الكفاية وقد قام به من يكفي

مثل بيان بطلان ما عليه فلانٌ من الناس، حيّاً أو ميّتاً

فقه الأولويات يقول لك:

هذا من العبث وضياع الوقت فلا تنشغل بما كفيتَه

أحبتي الكرام ..

يقول الله تعالى (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) قال العلماء: العالم الربّاني هو الذي يعلم طلابه صغار العلم قبل كِبارِه، ولهذا درج علماء أهل السنة والجماعة منذ القِدَم على تعليم طلابهم صغار العلم قبل كباره، يفعلون هذا واقعاً ويوصون به غيرهم في شتى الفنون؛ في الفقه، وأصوله، والعقيدة، وعلوم اللغة، والتفسير، والحديث ... الخ

وإن سألتَ عالماً في علم الحديث مثلاً، كيف أطلب علم الحديث؟ فإنه سيرشدك إلى البيقونية ونزهة النظر، ولن يرشدك إلى تهذيب الكمال للمِزِّي الذي يخص علم الرجال في جرحٍ وتعديل، وهذا لأن من رقى السطح من غير أن يتدرّج في السلالم ما يلبث أن يقع على ظهره، فهذا هذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير