في تفسير حركة التاريخ الإسلامي فيها ([39] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn39)).
ولمزيد من البيان نعود إلى تفصيل الكلام بعض الشيء في كل واجهة من الواجهتين:
الواجهة الأولى: وتمثلها على ما ذكرنا المبادئ الفكرية التي كانت موضوعاً للمواجهة بين المالكية وخصومها من الفترة المذكورة، إن المدونات التي يمكن الإفادة منها والاعتماد عليها في دراسة هذا الجانب قليلة جداً، ولعل الكثير منها أتلف عمداً بسبب الصراع الذي كان قائماً بين تلك الفرق، وتتفاوت خطوط تلك الفرق من المدونات التي سلمت من التلف.
وهكذا فإن النصوص التي تعنى بالخوارج في الغرب الإسلامي نادرة، وما هو موجود منها غير متداول خارج الجيوب الخارجية التي ما تزال قائمة، هذا مع العلم أن الخوارج الذين أقاموا الدنيا في مغرب القرنين الثاني والثالث الهجريين كانوا من الصفرية والإباضية. ثم إن كل ما انتهى إلينا من أخبار عن المبادئ التي اعتمدها البرغواطيون، إنما تضمنتها كتب التاريخ والجغرافية ([40] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn40)).
ولم تخلف الغزالية تراثاً يخص خلافها مع المالكية، وإن كانت الإشارات إلى أوجه الخلاف بين الفقهاء والمتصوفة، أو بينهم وبين المالكية تتردد في غير تصنيف من تصانيفهم، ومرد الخلاف بين المالكية والغزالية هو نفسه الحاصل بين المتصوفة والفقهاء في العالم الإسلامي، وهو الصلة بين الشريعة وبين ما يسمى بالحقيقة، أو العلاقة بين الظاهر والباطن، وقد تمكنت المالكية كما سنوضح فيما بعد توجيه الفكر الصوفي في الغرب الإسلامي، توجيهاً وقع في التحكم في الشطح الصوفي إلى حد بعيد سواء في القول أو العمل.
وأهم ما انتهى إلينا من تراث المذهب التومرتي، رسائل محمد بن تومرت التي يجمعها كتابه المنشور باسم "أعز ما يطلب" ثم ما تبقى من كتاب "نظم الجمان" لابن القطان، فقد جرى فيه كلام في بيان أوجه الخلاف بين المالكية وبين التومرتية، وذلك حين يذكر المؤلف وجوه النقد التي توجه للمالكية.
وأما المذهب الظاهري الحزمي فإن تآليف صاحب المذهب ابن حزم هي من الكثرة بحيث تغني الدارس عن غيرها في تتبعه لهذا المذهب، هذا مع العلم أن الظاهرية بدت معالمها في كثير من تصانيف الأندلسيين في علوم الشريعة وعلوم اللغة.
وليس من السهل حصر ما تركته المالكية في بيان أصول المذهب والدفاع عنه في مواجهة خصومه، وتجب الإشارة إلى أن المالكية مذهب فقهي وتوجه فكري.
ففي المجال الفقهي لك أن تعتبر كل المدونات المالكية مصدراً من مصادر المذهب، أما في مجال الفكر عامة، فإن أهم المصادر المالكية التي يمكن الرجوع إليها في إبراز التوجه الفكري تآليف القاضي عياض، وخاصة كتابه "الشفا في التعريف بحقوق المصطفى" وتآليف شيخه ابن العربي وخاصة كتابه: "العواصم من القواصم"، يضاف إلى ذلك كله نصوص المناظرات ونصوص المسائل وبعض النوازل.
إن التراث المالكي في الغرب الإسلامي من الخصب والغنى، بحيث يستحق أن يكون موضوعاً لأطاريح كثيرة تدرسه من جوانب فقهية وفكرية وتاريخية ... إلخ، ولا يعنينا منه هنا إلا ذلك الجانب الذي وقف فيه الفقهاء منافحين عن مذهبهم مواجهين لخصومهم من الفرق التي مر معنا ذكرها، وهنا تجب الإشارة إلى أننا لا نعرف لهم تصنيفاً مفرداً في الرد على هذه الفرقة أو تلك، إلا ما كان من ردود على الظاهرية وبعض الطوائف الصوفية.
ولم يكن الخلاف بين المالكية وبين خصومهم من الفرق المذكورة خلافاً مذهبياً باستثناء ما بينها وبين الظاهرية، فالبرغواطية وهي أقوى تلك الفرق، طائفة لم يدرجها أحد ضمن الفرق الإسلامية، وقد مر معنا كيف اعتذر ابن الخطيب عن إيراد أخبارها في كتابه الذي خصه لملوك الإسلام "أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام". وأما ما أتت به التومرتية من آراء فيصطدم مع أصل المقررات السنية، كما أشار إلى ذلك الأستاذ ابن تاويت الطنجي.
¥