تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولذلك كله فإن الخلاف بين الطرفين أعمق والشقة أبعد، وما قد نجده من اعتراض في مؤلفات القاضي عياض، وأبي بكر بن العربي وأضرابهما من مالكية الغرب الإسلامي على المذاهب والفرق المختلفة، لا يتوجه كله إلى الفرق المذكورة ولا جله، وإنما هو توضيح لمواطن الخلاف بين المالكية وبين خصومها في المشرق والمغرب على السواء. ويمكن حصر تلك المواضع في القضايا الآتية:

قضايا تخص رسالة النبوة، وصفات الرسل وما يجب ويمتنع في حقهم، وذلك كله موضوع كتاب "الشفا" للقاضي عياض.

قضايا تخص التفسير السني لوقائع التاريخ الإسلامي الكبرى، وهي وقائع وقع تباين كبير كما هو معروف في تفسيرها، وذهبت كل فرقة إلى رأي، حسب ما تبث لديها من آثار، وتشكل تلك الوقائع أصولاً للخلاف بين الفرق الكلامية خاصة، وأهمها ما حدث عقب وفاة الرسول r، خلافة أبي بكر وكيف تمت، مقتل عثمان وعواقب ذلك، بيعة معاوية ثم اليزيد بعده ... وفي أصول هذه الوقائع تكمن بعض أصول الخلاف بين السنة والشيعة كما هو معروف، وقد تصدى لها جميعاً أبو بكر بن العربي في كتابه "العواصم من القواصم" وقدم التصور السني لتفسيرها، والنصوص المعول عليها لديهم في فهمها.

قضايا تخص المذهب المالكي، وقد خص القاضي عياض القسم الأول من كتابه "ترتيب المدارك" للدفاع عن المذهب للرد على خصومه، ووقف عند أهل الأصول المعتمدة لدى المالكية وأشبع فيها القول.

قضايا عقدية والكلام عنها وارد في كثير من مدونات المالكية، على أن الكلام فيها مع ذلك محدود، والخوض في دقائقها قليل، وما انتهى إلينا من الآثار في باب العقائد عند أهل المغرب قليل جداً.

إن آراء المالكية في القضايا المذكورة أعلاه، لا تخرج كما هو معروف عن آرائهم، وهي تعود إلى ما استقرت عليه المالكية وتردد في مدوناتهم، ففي مجال العقائد تلتقي المالكية مع سائر الفرق السنية كما هو معروف.

وقد ترددت بقوة أصداء مواجهة المالكية لبعض الفرق التي سبق ذكرها، وأهمها الخوارج والتومرتية والظاهرية في نوازل "المعيار" للونشريسي، والنوازل تراث مالكي ضخم كما لا يخفى.

الواجهة الثانية: وهي الواجهة التاريخية، ومن المؤكد أن المصادر المعتمدة في دراسة هذا الجانب من جانبي تلك المواجهات بين المالكية وبين الفرق والطوائف أوفر، وهذا دليل على أهمية البعد التاريخي أو السياسي لتلك المواجهات، وقد ذكرنا غير مرة أن ما من فرقة أو طائفة إلا وكان لها نزوع سياسي، وطموح إلى إقامة دولة، وإذا كان ابن خلدون قد أهمل الأثر المذهبي في تحريك عجلة التاريخ في هذه المنطقة، واحتكم بصفة كاملة إلى الأثر العرقي أو القبلي ([41] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn41)) فإنه لم يستطع تجاهل أثر تلك الفرق فقدم لنا صفحات عن تلك الفرق والطوائف مما يجعل تاريخه مصدر لدراستها، أو دراسة أثرها في صناعة الأحداث السياسية وتوجيهها.

ولن يصعب على الباحث تقسيم تاريخ شمال إفريقيا، أي القسم الأكبر من الغرب الإسلامي تقسيماً ينبني على أساس المذاهب والفرق التي سادت وتحكمت.

وعلى الرغم من التشابه الكبير بين الأمصار الثلاثة المكونة للغرب الإسلامي وهي إفريقية والمغرب والأندلس، من حيث المكونات الاجتماعية والثقافية والتاريخية، فإن التحدي الذي واجهته المالكية في المغرب يختلف عما واجهته في إفريقية والأندلس، وكانت محنة المالكية في كل من إفريقية والأندلس أكثر وأشد، وقد أسلمت الأندلس نفسها للمالكية مبكراً بعد تخليها عن المذهب الأوزاعي وأصبحت قلعة من قلاع المذهب المالكي في مطلع القرن الثالث، وفي حياة تلاميذ الإمام مالك رحمه الله المباشرين، ولم يتمكن ابن حزم من أن يزحزح المذهب المالكي عن الأندلس. أما مالكية إفريقية فكانت محنتهم عظيمة على يد العبيديين ([42] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn42)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير