تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكانت البرغواطية أخطر طائفة واجهت المالكية في المغرب، وما كادت المالكية تنتصر على البرغواطية بعد حرب طويلة ذهب فيها زعيم المالكية في المغرب الشيخ عبد الله بن ياسين، حتى أظهر ابن تومرت مذهبه التومرتي، فكان في ذلك امتحان جديد للمالكية ومحنة عظمى ذهبت برأس مالكية المغرب في القرن السادس: القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي الشهير ([43] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn43)).

لقد تمكن الخوارج من إقامة دولتهم، ثم ما لبث عقدهم أن انفرط، وانحسر أمرهم في جيوب وسط بيئة مالكية، واستطاع البرغواطيون بسط نفوذهم على تامسنا في المغرب الأقصى، مدة تزيد على قرنين. إلى أن اقتلعت المالكية كما مر جذورهم، وتمكن التومرتيون كذلك من إقامة دولتهم ولعلها أكبر دولة في زمنهم، وهي الدولة المعروفة باسم الدولة الموحدية، واستمر حكمها قرناً كاملاً إذ كان قيامها في الربع الأول من السادس ونهايتها أواسط القرن السابع.

وأثناء تلك المدة كلها كانت المالكية تتحرك في طول الغرب الإسلامي وعرضه، من أجل إقامة دولة سنية تتمذهب بالمذهب المالكي، ونجحت في إقامة تلك الدولة في منتصف القرن الخامس بتأسيس الدولة المرابطية، فكانت دولة المرابطين دولة الفقهاء، كما أجمع على نعتها بذلك عامة الدارسين. وكان لدولتهم من القوة ما جعلها تقاوم الدولة الموحدية وتصمد في وجه خصومها وكانوا كثيرين ([44] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn44)).

لقد كان قيام دولة بني مرين وهي دولة بسطت نفوذها في أزمان متقطعة على الغرب الإسلامي، انتصاراً للمالكية، وإذا كان بنو مرين لم ينطلقوا في المغامرة السياسية التي انتهت بهم إلى تأسيس دولتهم من مشروع سياسي واضح يقوم على مذهب من المذاهب، فإنهم فطنوا إلى ضرورة حصولهم على الدعم المعنوي، فوجدوه في المالكية، وهكذا سارعوا إلى تقريب المالكية وإلى دعم جهودهم، فراجت من جديد المدونات المالكية، وأقبل الطلبة على الأمهات من تلك المدونات ([45] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn45)).

وبذلك فإن الانتصار النهائي للمالكية على سائر الفرق والطوائف في الغرب الإسلامي إنما تم في زمن بني مرين وبمساعدتهم، ولم تقم لفرقة أو مذهب قائمة في المنطقة كلها بعد هذا التاريخ وهو القرن السابع، القرن الذي بسط فيه المرينيون الحكم على بلدان المغرب وعلى قسم من الأندلس.

ولقد واجهت المالكية بعد القرن السابع طوائف انتسبت للتصوف، خاصة في القرنين التاسع والعاشر الهجريين ([46] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn46))، وبرز في تلك المواجهة أعلام من المالكية من أبرزهم الفقيه أبو عبد الله الخروبي الطرابلسي ([47] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn47))، وأبو العباس أحمد زروق وهو الصوفي الشهير الذي اشتهر بلقب محتسب الصوفية، وفي ذلك إشارة إلى جهوده في مراقبة الحركات الصوفية الزائفة. واشتهر كذلك عبد الكريم الفكون ([48] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn48)).

ومن الطوائف المخالفة اشتهر ابن أبي محلي الشهير بتآليفه الغريبة ([49] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn49))، ولعله تبين أن لكل واجهة من واجهتي تلك المواجهة بين المالكية وبين الفرق والطوائف قدراً كبيراً من الأهمية، في معرفة أسس تلك المواجهات وأبعادها وآثارها، والحق أن تفصيل الكلام في ذلك يخرجنا عن القصد ويقذف بنا إلى متاهات تاريخية وفكرية تستلزم مجالاً آخر غير مجالنا هذا، وحسبنا هنا تحديد أطراف تلك المواجهات وطبيعة كل منها مع التأكيد على أن فهم تاريخ الغرب الإسلامي بجميع مكوناته السياسية والمذهبية لا يتأتى إلا بدراسة معمقة لكل العناصر الفاعلة فيه ومنها المذاهب الفقهية، والفرق الكلامية، والطوائف الصوفية التي تفاعلت فيما بينها من جهة، وفيما بينها وبين عناصر أخرى لتصنع ذلك التاريخ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير