تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على أننا من الواجب أن نقف لنحاول مرة أخرى الإجابة عن سؤالين اثنين، نرى الإجابة عنهما ضرورية في بحثنا هذا، وهما: ما الأسباب التي جعلت المالكية تنتصر على سائر الفرق التي واجهتها في الغرب الإسلامي؟ وما أثر ذلك على المنطقة كلها؟

مرت معنا الإشارة إلى قول من قال بأن انتصار المذهب المالكي وتمكنه من قلوب المغاربة، يعود إلى مناسبة المذهب لعقلية المغاربة، وهذا الرأي قديم ([50] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn50)) جديد قال به ابن خلدون وغيره. والقول به يستلزم المعرفة التامة بعقلية المغاربة، كما يستدعي أمراً آخر هو أن المذهب المالكي لا يقدر له الانتشار والانتصار إلا وسط شعوب ذوات عقلية متشابهة لعقلية المغاربة وهي عقلية تتسم بطابع البداوة وهذا غريب حقاً. على أن بيئة الحجاز أيام مالك كانت أبعد ما تكون عن البداوة بفضل ما انتهى إليها من غنائم أثمرت مدنية وحضارة، وكذلك فإن بيئة الأندلس وهي قلعة مالكية بعيدة عن البداوة كما لا يخفى. وربما كان من الأنسب أن يقال إن أخذ المغاربة بمذهب مالك وتمسكهم به في حياتهم والسير على منواله في معاملاتهم، ترك أثره في عقليتهم، وظهر ذلك في آثارهم الكتابية فيما ألفوا فيه، وفيما عزفوا عن التأليف فيه، في إشارة إلى الزعم القائل بقصور أهل المغرب في حقل المباحث النظرية والتصنيف في الكلاميات والفلسفة.

إن تفسير الظواهر الاجتماعية والفكرية لا يتم على أساس سبب واحد، بل لابد من اجتماع أسباب كثيرة لقيام هذه الظواهر أو تلك أو زوالها، وعليه فإن البحث في أسباب انتصار مذهب مالك على غيره من المذاهب، وظهور المالكية على غيرهم من أصحاب الفرق والطوائف المختلفة، يجب أن يشمل كل العناصر ذات الصلة بالموضوع.

ويأتي على رأس أسباب انتصار المالكية على غيرهم من أصحاب الفرق كونهم لم ينازلوا أصحاب مذاهب سنية عدا ابن حزم ومذهبه الظاهري، وإنما واجهوا أصحاب فرق متهافتة الأسس، جمع أصحابها بين الدجل وسفك الدماء مثل البرغواطيين والعبيديين.

هذا وإن ظهور ابن حزم ومذهبه إنما كان في القرن الخامس، وذلك بعد أن كان المالكية قد تمكنوا من الأندلس، تمكناً تاماً، ولم يبق لمذهب مطمع فيها، هذا مع ما عرف عن المالكية من تماسكهم وشدة بأسهم حتى أن منهم من تاقت نفسه إلى إقامة دولة باسمه مثل ابن حمدين في قرطبة، وقد ورد في "المعيار" ما نصه: «في أواخر حياة مالك حمل أمير الأندلس هشام بن عبد الرحمن الناس على العمل بمذهب الإمام مالك والفتيا به وذلك سنة 170 ه وكان المفتي يومئذ صعصعة بن سلام إمام الأوزاعية وراويتهم فالتزم الناس هذا المذهب: يعني مذهب مالك وما تدين بغيره أحد إلا من لا يؤبه به» ([51] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn51)).

وقد كان لمكانة الإمام مالك رحمه الله وهو عالم مدينة رسول الله r، أثر في نفوس تلاميذه وأصحابه من الطبقات التالية لطبقته، وهي مكانة لا يدانيها مكانة صالح بن طريف من البرغواطيين ولا مكانة ميسرة الخفير، فبين الطرفين ما بين السماء والأرض. ومن أسباب ظهور المالكية على غيرهم ما كانوا عليه من علم، وما اشتهروا به بين العامة من رغبة في الإصلاح، وحب إقامة العدل، وسيرة كثير من قضاة المالكية في المغرب والأندلس شاهدة على ذلك ([52] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn52)).

وما من شك أن الأصول التي أقيم عليها المذهب المالكي من القوة والتماسك والقدرة على الاستجابة لتطور المجتمع وتنوعه ([53] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn53))، بحيث لا تسهل مواجهته ولا يملك من يروم ذلك إلا الإذعان له والتسليم بأسسه ([54] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn54)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير