والجواب عن السؤال الثاني وهو الخاص في مجال تحديد آثار المالكية ومذهبهم في الغرب الإسلامي يتطلب فحصاً شاملاً ودقيقاً لكل مكونات التاريخ الثقافي والسياسي لهذه الجهة من العالم الإسلامي، ويمكن القول أن للمالكية فضلاً كبيراً في صنع أحداث ذلك التاريخ وفي تشكيله إلى درجة يصعب معها تصور هذه الجهة من العالم الإسلامي خارج المذهب المالكي. ويعرف المشتغلون بالتراث المغربي، في أي جانب من جوانبه الفكرية والأدبية والعلمية والشرعية كيف ظل الفقه المالكي لا يفارقهم أبداً، وهكذا يلتقي أبو بكر الطرطوشي، وعياض وابن رشد وأبو بكر بن العربي، وابن خلدون وابن عباد الرندي، رغم اختلاف مجال اهتمامهم وتباين مواضع تصانيفهم، وإجمالاً يمكن حصر نتائج انتصار المالكية في أمرين اثنين:
? توحيد الغرب الإسلامي في نطاق المذهب المالكي: وذلك تم بعد انهزام التومرتيين واعترافهم ببطلان مذهب مهديهم، وكان ذلك في الربع الأول من القرن السابع للهجرة. ووحدة الغرب الإسلامي المذهبية من المكاسب العظمى ([55] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn55))، ورغم تقلب الأحوال وتغيير الأزمان ما زالت الوحدة قائمة، تتجلى آثارها في كثير من جوانب حياة الشعوب خاصة في الحقول التشريعية والتعليمية.
? التوحيد الثقافي والفكري: كما كان لتمسك المغاربة بمذهب مالك أثر كبير في حياتهم الفكرية والثقافية. نلمس ذلك الأثر في المجالات الآتية:
- مجال التأليف في الكلاميات وما إليها: إن تصنف المغاربة في هذا المجال محدود، وكان مما أخذ على المالكية انصرافهم عن الأصول واكتفاؤهم بالفروع وهذا يعني أنهم أقاموا مدوناتهم الفقهية مقام الأصول في علم الشريعة ([56] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn56)).
ويظهر أن المتأخرين منهم تمادوا في ذلك، وأصبحت غاية الفقيه حفظ وترديد مجموعة من المتون الفقهية، وكان حفظ المتون الفقهية التي ألفها المالكية معتمد أهل الغرب الإسلامي في جميع مراكزهم العلمية ([57] ( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftn57)).
في باب العقائد اكتفى أهل المغرب بما نظمه فقهاؤهم من منظومات على المذهب الأشعري، واشتهرت من ذلك منظومات أبي الحجاج الضرير وهو أحد شيوخ عياض. وله ثلاث منظومات في العقائد صغرى ووسطى وكبرى، ثم الشيخ السنوسي، وعلى عمل السنوسي اعتمد المتأخرون في باب العقائد.
لقد حاول بعض المتأخرين من المالكية، مثل ابن مبارك السجلماسي في أجوبته الشهيرة أن يخرجوا عن تلك المنظومات ولكنهم لم يتمكنوا من الابتعاد عنها، ولعل ذلك لا يرجع إلى قصور مداركهم ولا إلى قلة زادهم، وإنما يرجع إلى أن الوسط العلمي لم يكن ليفسح باب الكلام في العقائد والأصول.
وفي مجال الأدب بسط الفقهاء نفوذهم على ساحته منذ القرن الخامس، ونافس الفقيه الشاعر في رزقه وسد باب القصر في وجهه فما كان من الشاعر إلا أن يهجوه ...
وأخيراً فإننا نسجل على وجه الإيجاز مجمل النتائج التي انتهى إليها البحث، وقد مرت الإشارة إلى بعضها في مكانها منه وهي الآتية:
- إن انتشار المذهب المالكي في الغرب الإسلامي واستقراره تم على مراحل وخلال قرون، ولم يتيسر للمالكية ترسيخ مذهبهم إلا بعد جهاد مرير ومواجهات عديدة مع فرق كثيرة.
وما كان ليتيسر ذلك لولا عوامل كثيرة مساعدة، وأهمها يكمن في أصول المذهب نفسه، واستعداده للإجابة عن الأسئلة التي تطرحها البيئات المختلفة والظروف المتباينة. وقد أدى ذلك إلى توحيد الغرب الإسلامي اجتماعياً وثقافياً بشكل عام، شمل هذا التوحيد كل مظاهر الحياة، ولذلك يتعذر فهم تاريخ هذه المنطقة فهماً صحيحاً دون الرجوع إلى التاريخ الفكري والمذهبي لها.
ولكل ذلك بات من الضروري إعادة كتابة تاريخ الغرب الإسلامي بشكل لا يقع الاتكاء كلياً على العامل القبلي أو الاقتصادي، وإنما يعتمد جميع العناصر الفاعلة في هذا التاريخ ومنها العامل المذهبي وأثره في صناعة تاريخ الغرب الإسلامي.
[/ URL]([1]) الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي، ترجمة عبد الرحمن بدوي.
( http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/Adad41partie11.htm#_ftnref1)([2]) Polimique autour derite de malik.؛ مجلة الأندلس، 1950، ص. 450.
¥