أو في طالب علم، بل ينبغي أن يكون عندك ورع وخوف من الله عز وجل، وإذا –لا قدّر الله- بُلي طالب العلم بشيء من ذلك، فإنه ينبغي عليه أن يبادر بالتوبة، فمن تاب، تاب الله عليه.
المَعْلَمْ الثامن: الأدب وحسن الخلق:
الأدب نعمة من نِعم الله جل وعلا، ورحمةٌ يرحم الله بها عبده الذي يريد به خيري الدنيا والآخرة، ولو لم يكن في الأدب والخُلق الحسن إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن أثقل شيء في الميزان، قال: (تقوى الله وحسن الخُلق) ([50]).
فطالب العلم يوطّن نفسه على مكارم الأخلاق ([51]) ويسمو بنفسه إلى فضائلها وإلى معالي الأمور، ويترفع عن سفاسِفِها، فإذا أراد الله بالعبد الخير رزقه حلية العلم وجماله ووقاره وزينته وبهاءه، وهو الأدب وحسن الخُلق، فما أجملَ طالب العلم إذا ضمّ إلى علمه السكينة والوقار.
والحِلم والأناة والتواضع .. وغير ذلك من مكارم الأخلاق التي يُحبّها الله ويحبُّ أهلها، قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة) ([52]).
فالحِلم والأناة كلاهما من مكارم الأخلاق، فيكْمُل طالب العلم ويجمُلُ ويعْظُم ويحْسُن إذا زيّنه الله جل وعلا بزينة التقوى، وألبسه الله حلية مكارم الأخلاق، فإذا رأيت آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وشمائله وآدابه –صلوات الله وسلامه عليه- تظهر من ذلك العبد الصالح في وجهه .. وفي كلامه .. وفي معاملته .. وفي أخذه وعطائه .. وظاهره وباطنه مع الناس، فاعلم أنه على هذى مستقيم.
ومن الخُلق الحسن أن يرى الله قلباً نقياً تقياً بريئاً يخافه سبحانه وتعالى في عباده المؤمنين.
وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا) ([53]).
أحق الناس –بعد العلماء- بسلامة الصدر طلاب العلم، فطالب العلم غداً يقف أمام الناس يفتيهم ويعلّمهم ويرشدهم، فلا بد من أن يربي نفسه على سلامة الصدر ونقاء السريرة التي هي صفة من صفات أهل الجنة: ((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)) [الحجر:47].
وإذا سلّم الله طالب العلم –بل إذا سلّم الله عبده- من الحسد، فقد أراد الله به خيراً.
وإذا أراد أن يهلك عبده ملأ قلبه بالشحناء والبغضاء والحسد، حتى لا يبالي به في أي وادٍ من أودية الدنيا هلك، فإن من حسد ظلمَ وبغى .. هذا إبليس مع علمه وعلو رتبته بين الملائكة حينما كان بينهم، حسد آدم، فأضله الله وأغواه ولعنه سبحانه وتعالى، كل ذلك بسبب الحسد.
فطالب العلم إذا كان في قلبه الحسد، قلّ أن ينبغ، وقلّ أن يشرف، وقلّ أن يكمُل.
ولا بد للإنسان إذا أخفى سريرة لا تُرضي الله أن تظهر في شمائله وفي أخلاقه وأقواله ([54])، وإذا سَلِم صدره للمؤمنين أظهر الله السلام على أقواله وأفعاله وآدابه وأخلاقه مع الناس.
فتجد طالب العلم الذي سلِم صدرهُ لا يؤذي أحداً بلسانه، وتجده لا يتهم الناس، ولا يُسيء الظنون بهم، ويحملهم –إذا سمع عنهم خبراً سيئاً- على أحسن المحامل، حتى يتبين أهو صحيح أم خلاف ذلك، والعكس بالعكس، فمن تجده حسوداً –والعياذ بالله- فإنه يظلم ويحمل على أسوأ المحامل، ولا يلتمس لإخوانه المخرج حتى يهلك بما يكون من أذيتهم ... نسأل الله السلام والعافية.
ومما يعين على مكارم الأخلاق أن يوطّن نفسه على سلامة لسانه من أن يوقع بين المسلمين ما يوجب القطيعة بينهم، يكون لسانه يدعو إلى المحبة والألفة والاجتماع كما أمر الله سبحانه وتعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)) [الحجرات:10].
فطالب العلم يوطّن نفسه على هذا، لماذا؟ لأنه غداً يقود الناس ويوجّههم ويربيهم، فإذا تربى هو من بداية طلبه للعلم على سلامة صدره، ونقاء سريرته، وحفظِ لسانه من النميمة، فإنه أحرى أن يحفظ الله عز وجل من تَبِعه وسار على نهجه من شرّ ذلك اللسان وزلاّته.
كذلك ينبغي أيضاً أن يبتعد عن الغيبة، قال بعض السلف –رحمة الله عليهم-: (ما اغتبتُ مسلماً منذ أن سمعتُ أن الله ينهى عن الغيبة).
¥