جوابي بالخط العريض: لا. لم تسهم في بناء وتوجيه الطالب لتأهيل علمي متكامل ما دامت على طريقتها الحالية التقليدية، ومقصورة على حفظ المتون أكثر من الشرح والفهم والتوجيه؛ فهذه الدورات العلمية لا تعدو أن تزود المتلقي فيها بثقافة شرعية محدودة، فهي إن ربّت شخصية يوماً ربّتها بغير ولغير زمنها، فإن درست شيئًا من المتون اقتصرت فيه على الحفظ دون الفهم والتحليل والمناقشة، وكأن الحفظ علم مقصود لذاته، فصدق على كثير ممّن يحفظ دون فهم أن يُقال (زادت نسخة في البلد).
لقد عجزت الدورات العلمية المكثفة في عصرنا عن تخريج علماء أو طلاب علم نابهين يجمعون بين الرواية والدراية، وبين النص والاستنباط أو بين العقل والنقل. وعلى هذا صارت مخرجات هذه الدورات أقل من المتوقع والمأمول؛ فهي أشبه ما تكون بظاهرة صوتية لبعض الدروس والحلق العلمية طوال العام عند بعض المشايخ.
وماذا عن دورها في بناء الطالب تربوياً واجتماعياً؟
لا أرى لها كبير أثر بين طلاب العلم من الناحيتين التربوية والاجتماعية؛ فالتعليم فيها تعليم تجريدي مثالي، لا أثر له في الواقع ولا صلة له بالحياة، وإنني أخشى- إن استمرت هذه الدورات العلمية على طريقتها الحالية ولم تمسّها يد التطوير- أن تكرس مع الزمن بالفعل -وربما القول- فصل الدين عن الدولة، وهذا مما لا تُحمد عقباه عاجلاً وآجلاً. ومما يعالج هذا القصور أن يشارك في التدريس فيها عدد من مشايخ الصحوة.
كما أنها قد تنتج شبابًا يدخلهم الغرور من حيث لا يدرون ذلك بأنهم حفظوا بعض المتون فيتصدرون الإفتاء والتعديل والتجريح والتصحيح والتضعيف بحجة أنهم أخذوا إجازة أو أكثر بدراسة ذلك الكتاب أو حفظه.
إذن ما الطريقة المثلى التي ترونها للاستفادة من هذه الدورات؟
الطريقة المثلى لما ينبغي أن تكون عليه هذه الدورات العلمية هو أن تجمع بين الإيمان والعمل، والتربية والتعليم، والحفظ والفهم، والثقافة والوعي، والإحالة والمعاصرة. وهذه الطريقة المثلى في تلقي العلم أوجزها عبد الله بن عمر بن الخطاب بقوله: "لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليُؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فننظم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم. ورأينا اليوم رجالاً يُؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدرس ما آمره ولا زاجره". إن الحلق العلمية المكثفة أو حلق تحفيظ القرآن الكريم لا تكاد تُعنى بتحقيق الإيمان بهذا الدين، وإزالة الشكوك والشبهات التي تطرق أسماع الناس والشباب منهم خاصة حين تكاد تقضّ مضاجعهم، فضلاً عن معرفة الحلال والحرام، والنوازل والمستجدات، والوقوف عندها، فلا يكادون يُعنون بهذا بقدر ما يعنون ويقفون عند تلاوة القرآن، والتبرّك به، ومعرفة أحكام تجويده لا غير. بل لا يكادون يعنون كما يقول ابن القيم (بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضي) بقدر ما يعنون بحفظ الكلام أكثر من فهم معناه وفحواه. وما ضعفت الأمة الإسلامية إلا يوم اختلت الموازين، وتغيرت الثوابت؛ فقُدّم غير المهم على الأهم، فقُدّمت تلاوة القرآن على فهمه وتدبره، وقُدّم حفظه على العمل به.
ولو كان لي من الأمر شيء في سياسة التعليم لخصّصت المرحلتين الابتدائية والمتوسطة لحفظ القرآن والمتون العلمية المناسبة في كل الفنون، وبعد سن التكليف أي في المرحلة الثانوية يُكتفى بتعليم القواعد والأسس والعلوم الضرورية، وبعض المعارف العامة مع التركيز على تنمية شخصية الطالب العقلية، وحسن علاقته وتعامله مع الآخرين في المجتمع وخارجه، أما التخصص العلمي فيكون في المرحلة الجامعية وما فوقها.
ومن أكبر سلبيات الحلق العلمية أنها لم تخرّج من التلاميذ شيوخاً في العلم أو أساتذة يُعتمد عليهم في تعليم الناشئة، اللهم إلا على الطريقة التقليدية في حلق تحفيظ القرآن.
أقول: لم تخرّج هذه الحلق العلمية المكثفة التلاميذ شيوخاً مع مضي أكثر من عشر سنوات على قيامها، وهذه فترة كافية لتقويم التجربة
ـ[محمد البحار]ــــــــ[09 - 09 - 05, 07:37 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أؤيده في التالي:
كوننا نحتاج تجديدا في العلوم أو في أنواعها أو في حملتها بالتحديد ..
¥