وقد تأثر الشيخ رحمه الله تعالى بمنهج شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم، والشيخ محمد بن عبد الوهَّاب رحمهم الله تعالى، ومع هذا فقد خالفهم في كثير من المسائل وفقاً لما ترجَّح لديه من أدلَّة، ولم تمنعه محبَّته لهم وتقديره لعلمهم من أن يجهرَ بمخالفته لهم وتخطئة أقوالهم، وهذا دليل على استقلال شخصيَّته العلمية.
دعوته إلى السُنَّة وأثرها في العالم الإسلامي:
كان العلامة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ممن سار على المنهج الذي سار عليه السلفُ الصالح في التزام الكتاب والسنَّة، في دعوتهم المباركة إلى الله تعالى. فحين ظهر له بالحجَّة والبرهان أن كثيراً من الأشياء التي كان يعدُّها من الدِّين وكان عليها مشايخه، تخالف الكتاب والسنة، أقلع عنها ولزم السنَّة وناقش فيها مشايخه مبتدئاً بأقرب الناس إليه، والده،ومما قاله هو عن هذه المرحلة: "فلم أزل على خطِّ والدي في هذا الاتِّجاه حتى هداني الله إلى السنَّة فأقلعتُ عن الكثير مما كنت تلقَّيته عنه، مما كان يحسبه قربةً وعبادة".
ثم انتقل إلى دعوة مشايخه، وكانت مسألة التَّوحيد هي المسألة الكبيرة التي تفاصل فيها الشيخُ مع مشايخه، ومعظم مشايخ بلده، وقد أولى الشيخ رحمه الله تعالى مسألة التَّوحيد اهتماماً كبيراً وأعطاها من وقته كثيراً، وبذل في تبيينها جهداً عظيماً، دعوة وشرحاً، وتعليقاً وتأليفاً، وتحقيقاً ومناقشة.
وقد كتب الرحالةُ عبد الله الخميس في كتابه (شهر في دمشق):
"وهكذا وجدتُ السَّلفيةَ في دمشق بين صفوف الجامعة وفي حلقات العلماء، يحملها شباب مثقف مستنير يدرس الطبَّ والحقوق والآداب .. قال لي شابٌّ منهم: ألا تحضر درسنا اليوم؟ فقلت: يشرِّفني ذلك! فذهبت مع الشابِّ لأجد فضيلة الشيخ الألباني وحوله ما يزيد على الأربعين طالباً، من شباب دمشق المثقَّف، وإذا الدَّرس جارٍ في باب: (حمايةُ المصطفى صلى الله عليه وسلم جنابَ التوحيد وسدُّه طرقَ الشرك) من كتاب (التَّوحيد) وشرحه (فتح المجيد) للمجدِّد الإمام محمد بن عبد الوهَّاب وحفيده -رحمهما الله- فعجبت أشدَّ العجب لهذه المصادفة الغريبة، وأنصتُّ لكلام الشيخ، وإذا بي أسمع التحقيقَ والتدقيق والإفاضة في علم التوحيد، وقوَّة التضلُّع فيه، وإذا بي أسمع مناقشةَ الطلاب الهادئة الرزينة، واستشكالاتهم العميقة ..
وبدؤوا في درس الحديث من كتاب (الروضة النَّدية) وهنا سمعت علماً جمّاً وفقهاً وأصولاً وتحقيقاً .. ولم أزل طيلة مقامي بدمشق محافظاً على درس الشَّيخ .. وقد لمستُ بنفسي لهم تأثيراً كبيراً على كثير من الأوساط ذات التأثير بالرَّأي العام، مما يبشِّر بمستقبل جدُّ كبير لهذه الدَّعوة المباركة".
جولاته ورحلاته الدَّعوية:
كان للشِّيخ رحمه الله رحلاتٌ شهرية منظَّمة بدأت أسبوعاً من كلِّ شهر ثم استقرَّت على نحو ثلاثة أيام، كان يجوب بها المحافظات السُّورية، وكان لها الأثر الطَّيب في الدَّعوة إلى الله وإلى التَّوحيد ونبذ الشرك والخرافة، مع ما صاحبها من معارضة من أهل الأهواء.
يقول هو رحمه الله: "كان من آثار هذا الإقبال الطَّيب الذي لقيته هذه الدَّعوة أن رتَّبنا برنامجاً لزيارة بعض مناطق البلاد مابين حلب واللَّاذقية إلى دمشق، وعل الرغم من قصر الأوقات التي خُصِّصت لكل من المدن، فقد صادفت هذه الرحلات نجاحاً ملموساً، إذ جمعت العديدَ من الراغبين في علوم الحديث على ندوات شبه دورية، يقرأ فيها من كتب السُّنة، وتتوارد الأسئلة، ويثور النقاش المفيد، إلا أن هذا التجوال قد ضاعف من نقمة الآخرين، فضاعفوا من سعيهم لدى المسؤولين، فإذا نحن تلقاء مشكلات يتصلُ بعضها برقاب بعض".
وكان من نتائج هذه الجهود المضادَّة إبعاد الشَّيخ إلى الحسكة –مدينة في الشَّمال الشَّرقي من سوريا-، ثم سجنه في سجن القلعة بدمشق، بالإضافة إلى تحذير طلاب العلم وعوامِّ النَّاس من الاستماع إليه ومجالسته والدعوة إلى هجرته ومقاطعته. وكان رحمه الله يعقِّب على هذه الأحداث بقوله: "لقد كان لهذا كله آثارٌ عكسيَّة لما أرادوا، إذ ضاعفتُ من تصميمي على العمل في خدمة الدَّعوة حتى يقضيَ الله بأمره".
ثم كان من فضل الله عليه وعلى الناس أن ذاع صيتُه في أرجاء المعمورة، وانتشرت كتبه في الأقطار، يقتنيها العلماء وطلاب العلم.
دروسه وحلقاته العلميَّة:
¥