فطرد الهم مذهب قد اتفقت الأمم كلها مذ خلق الله تعالى العالم إلى أن يتناهى عالم الابتداء ويعقبه عالم الحساب، على أن لا يعتمدوا بسعيهم شيئاً سواه، وكل غرض غيره ففي الناس من لا يستحسنه؛ إذ في الناس من لا دين له فلا يعمل للآخرة، وفي الناس من أهل الشر من لا يريد الخير ولا الأمن ولا الحق، وفي الناس من يؤثر الخمول بهواه وإرادته على بعد الصيت.
وفي الناس من لا يريد المال ويؤثر عدمه على وجوده ككثير من الأنبياء عليهم السلام ومن تلاهم من الزهاد والفلاسفة.
وفي الناس من يبغض اللذات بطبعه ويستنقص طالبها كمن ذكرنا من المؤثرين فقد المال على اقتنائه.
وفي الناس من يؤثر الجهل على الْعِلْم كأكثر من ترى من العامة.
وهذه هي أغراض الناس التي لا غرض لهم سواها.
وليس في العالم مذ كان إلى أن يتناهى أحد يستحسن الهم ولا يريد طرده عن نفسه.
فلما استقر في نفسي هذا الْعِلْم الرفيع وانكشف لي هذا السر العجيب وأنار الله تعالى لفكري هذا الكنز العظيم بحثت عن سبيل موصلة على الحقيقة إلى طرد الهم الذي هو المطلوب للنفس الذي اتفق جميع أنواع الإِنْسَان -الجاهل منهم والعالم والصالح والطالح-على السعي له فلم أجدها إلا التوجه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة.
وإلا فإنما طلب المال طلابه ليطردوا به هم الفقر عن أنفسهم.
وإنما طلب الصوت من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الاستعلاء عليها.
وإنما طلب اللذات من طلبها ليطرد بها عن نفسه هم فوتها.
وإنما طلب الْعِلْم من طلبه ليطرد به عن نفسه هم الجهل.
وإنما هش إلى سماع الأخبار ومحادثة الناس من يطلب ذلك ليطرد بها عن نفسه هم التوحد ومغيب أحوال العالم عنه.
وإنما أكل من أكل، وشرب من شرب، ونكح من نكح، ولبس من لبس، ولعب من لعب، وركب من ركب، ومشى من مشى، وتودع من تودع؛ ليطردوا عن أنفسهم أضداد هذه الأفعال وسائر الهموم.
وفي كل ما ذكرنا لمن تدبره هموم حادثة لا بد لها من عوارض تعرض في خلالها وتعذر ما يتعذر منها وذهاب ما يوجد منها والعجز عنه لبعض الآفات الكائنة.
وأيضاً نتائج سوء تنتج بالحصول على ما حصل عليه من كل ذلك من خوف منافس أو طعن حاسد أو اختلاس راغب أو اقتناء عدو مع الذم والإثم وغير ذلك.
ووجدت للعمل للآخرة سالمًا من كل عيب خالصًا من كل كدر موصلاً إلى طرد الهم على الحقيقة ووجدت العامل للآخرة أن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم بل يسر إذ رجاؤه في عاقبة ما ينال به عون له على ما يطلب وزايد في الغرض الذي إياه يقصد.
ووجدته إن عاقه عما هو بسبيله عائق لم يهتم إذ ليس مؤاخذاً بذلك فهو غير مؤثر في ما يطلب.
ورأيته إن قُصد بالأذى سُر، وإن نكبته نكبة سُر، وإن تعب فيما سلك فيه سُر، فهو في سرور متصل أبداً وغيره بخلاف ذلك أبداً.
فاعلم أنه مطلوب واحد وهو: طرد الهم، وليس إليه إلا طريق واحد وهو: العمل لله تعالى، فما عدا هذا فضلال وسخف.
من كتاب مداواة النفوس لابن حزم الظاهري ص 13
ـ[طويلبة علم حنبلية]ــــــــ[20 - 10 - 10, 05:38 ص]ـ
سورة العصر وطلب العلم
للإمام العلامة الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى
كتب رجل لأخيه: يكفيك لطلب العلم سورة العص ر، فإنها كما قال الشافعي:
(لو فكر الناس فيها لكفتهم)!!
فوقع في يد الشيخ عبد اللطيف، فكتب:
" اعلم أن قول الشافعي، رحمه الله تعالى، فيه دلالة ظاهرة على وجوب طلب العلم مع القدرة في أي مكان، ومن استدل به على ترك الرحلة والاكتفاء بمجرد التفكر في هذه السورة، فهو خلي الذهن من الفهم والعلم والفكرة، إن كان في قلبه أدنى حياة، ونهمة للخير، لأن الله افتتحها بالإقسام بالعصر، الذي هو زمن تحصيل الأرباح للمؤمنين، وزمن الشقاء والخسران للمعرضين الضالين ".
وطلب العلم ومعرفة ما قصد به العبد من الخطاب الشرعي أفضل الأرباح، وعنوان الفلاح، والإعراض عن ذلك علامة الإفلاس والإبلاس؛
* فلا ينبغي للعاقل العارف أن يضيع أوقات عمره وساعات دهره إلا في طلب العلم النافع، والميراث المحمود؛
كما قيل في المعنى شعراً:
أليس من الخسران أن اللياليا ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري
¥