تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنّ رزقك مكفيّ عندنا ونحن رازقوك، وردّه القاسمي بأنّه غير مفهوم من الآية وأنّه مستند للكسالى للقعود عن الكسب والتّخلّي عن السّعي المأمور به.

ومع أنّ الأظهر فيه هو الوجه الأوّل، فإنّ الوجه الثّاني مفهومٌ منها أيضاً ولو بالإشارة، وليس فيه مستندٌ للكسالى، لأنّ المراد أن لا يحمل العبد همّ رزقه في قلبه بل يسعى ويوكّل التّحقيق لله تعالى، لأنّ القلب إذا حمل همّ الرّزق شُغل عن الصّلاة أو بعضها، أو أنّ المراد أنّ الصّلاة سبب للرّزق وتحصيل السّعة فيه، وهذا المعنى من مفاهيم السّلف، فقد روى ابن جرير نفسه عن عروة بن الزّبير أنّه كان إذا رأى ما عند السّلاطين دخل داره ونادى الصّلاة الصّلاة وقرأ هذه الآية، انظر تفسير ابن جرير 8/ 479ـ480 والقاسمي 5/ 134 ـ 135، والقرطبي 11/ 174.

() الأمر بالاستعانة بالصّبر والصّلاة تكرّر في أكثر من موضع، قال ابن جرير في هذه الآية: (حضٌ من الله تعالى ذكره على طاعته واحتمال مكروهها على الأبدان والأموال .. بالصّبرعلى مكروه ذلك ومشقّته ثمّ بالفزع فيما ينوب من مفظعات الأمور إلى الصّلاة لي) التّفسير بتصرّف 2/ 41، وقال: (وقد قيل: إنّ معنى الصّبر في هذا الموضع: الصّوم) ثمّ تأوّل لقائل هذا القول 1/ 298.وقد ذكره القرطبي عن مجاهد، و رأيته عن الشّريف عبدالخالق بن عيسى بن أحمد الهاشمي العبّاسي أبو جعفر من علماء الحنابلة، قال في الطّبقات: (قال القاضي أبو الحسين: أُخذ الشّريف أبو جعفرفي فتنة أبي نصر ابن القشيري وحُبس أيّاماً فسرد الصّوم وما أكل لأحد شيئاً، قال: ودخلت عليه في تلك الأيّام ورأيته يقرأ في المصحف، فقال لي: قال الله تعالى: ? واستعينوا بالصّبر والصّلاة ? تدري ما الصّبر؟ قلت: لا، قال: هو الصّوم، ولم يفطر إلى أن بلغ منه المرض) طبقات الحنابلة 3/ 22. قال القرطبي: (فجاء الصّبر والصّوم على هذا القول متناسباً في أنّ الصّيام يمنع الشّهوات ويزهّد في الدّنيا، والصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتُخشّع ويُقرأ فيها بالقرآن الّذي يذكّر بالآخرة) تفسيره 1/ 253، وإذا كان الصّبر بمعناه العامّ فالصّيام من أعظم الصّبر.

والأمر بالاستعانة بالصّبر والصّلاة جاء عامّاً، فالصّبر والصّلاة يُستعان بهما على مشاقّ الدّنيا وتقلّباتها ومصائبها، كما جاء عنه ? أنّه (كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصّلاة) أخرجه أبو داود ح1319 والطّبري في تفسير الآية وصحّحه الألباني في صحيح الجامع 4703، كما أنّهما عونٌ للعبد على نيل الفوز في الآخرة برضا الله وجاء هذا عن ابن جريج وأبي العالية أنّهما قالا: استعينوا بالصّبر والصّلاة على مرضاة الله، وإنّهما معونتان على رحمة الله، أخرجه ابن جرير 1/ 299.

() قال القرطبي: (الخاشعون جمع خاشع وهو المتواضع: والخشوع هيئة في النّفس يظهر منها في ا لجوارح سكون وتواضع، وقال قتادة: الخشوع في القلب وهو الخوف وغضّ البصر …قال النّخعي: ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطؤ الرّأس، لكنّ الخشوع أن ترى الشّريف والدّنيء في الحقّ سواء، وتخشع في كلّ فرض افترض عليك، ونظر عمر بن الخطّاب إلى شابّ قد نكس رأسه فقال: يا هذا ارفع رأسك فإنّ الخشوع لا يزيد على مافي القلب .. فمن أظهر للنّاس خشوعاً فوق ما في قلبه فإنّما أظهر نفاقاً على نفاق، قال سهل بن عبدالله: لا يكون خاشعاً حتّى تخشع كلّ شعرة على جسده لقول الله تبارك وتعالى: ?تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ? قلت: هذا هو الخشوع المحمود لأنّ الخوف إذا سكن القلب أوجب خشوع الظّاهر فلا يملك صاحبه دفعه، فتراه مطرقاً متأدّباً متذلّلاً .. وأمّا المذموم فتكلّفه والتّباكي ومطأطأة الرّأس كما يفعله الجهّال ليُرَوا بعين البرّ والإجلال وذلك خدعٌ من الشّيطان وتسويلٌ من النّفس) بتصرّف من تفسيره 1/ 252، والضّمير في: (إنّها) عائد إلى الصّلاة، وقيل عائد إلى الوصيّة المتقدّمة لهذه الآية، رجّح ابن جرير الأوّل، وأشار ابن كثير للثّاني وقوّاه احتمالاً، وذكر له شواهد ثمّ قال: (وعلى أيّ حال فقوله تعالى: ? وإنّها لكبيرة ? أي مشقّة ثقيلة …والآية وإن كانت خطاباً في سياق إنذار بني إسرائيل فإنّهم لم يُقصدوا بها على سبيل التّخصيص وإنّما هي عامّةٌ لهم ولغيرهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير