فالكتاب يشكل منظومة معرفية منوعة، سَلَكَ فيها ابن قُتَيْبَة مَسلك ما يسمى عند القدماء بكتب (الأخبار)، وهي مؤلفات تهتم بنقل الروايات المتعلقة بموضوع ما في مكان واحد تقدمها للقارئ ليجد في اجتماعها صورة كلية متكاملة مع المعرفة تدور حول الموضوع المقصود، وقد تكون هذه الأقوال فيما بينها متوافقة أو متناقضة متضاربة تحمل وجهات نظر متباينة لتقدم للقارئ الرؤى المختلفة في القضية ليرى فيها رأيه دون حَجْرٍ على القارئ ولا القائل المنقول عنه، وهذه المؤلفات يغلب عليها السرد للأقوال بإيجاز دفعاً لعدم إملال القارئ، كما أن ابن قُتَيْبَة جرى في كتابه على طريقة الأخباريين من رواية الأخبار غالباً بأسانيد لا يُفرح بها فغالبها إما معلق أو مقطوع أو مُعضل مما لا يقبل أهل الحديث الاحتجاج به، وهو أمر يجب أن يكون معلوماً لقارئ الكتاب أنه يقرأ كتاباً في الأدب لا يمثل مصدراً للاستدلال الشرعي، وما قصد به مؤلفه هذا المعنى.
ولقد تجاوزت سعة اطلاع ابن قتيبة في الكتاب المصادر العربية إلى غير العربية، فإذا أورد أحاديث عن النبي ? والصحابة والتابعين أورد بعدها ما قرأه في الكتب الهندية والفارسية وغيرها مما يناسب الموضع، وما كانت هذه المعرفة حصيلة أيام، بل ها هو يصرح بمصادره فيقول في صدر الكتاب:
"واعلم أنا لم نزل نتلقط هذه الأحاديث في الحداثة والاكتهال عمن هو فوقنا في السن والمعرفة، وعن جلسائنا وإخواننا، ومن كتب الأعاجم وسيرهم، وبلاغات الكتاب في فصول من كتبهم، وعمن هو دوننا غير مستنكفين أن نأخذ عن الحديث سناً لحداثته ولا عن الصغير قدراً لخساسته ولا عن الأمة الوَكْعَاء لجهلها فضلاً عن غيرها فإن العلم ضالة المؤمن من حيث أخذه نفعه، ولن يُزْري بالحق أن تسمعه من المشركين، ولا بالنصيحة أن تستنبط من الكاشحين ... "
إلا أنه يلفت نظر القارئ كثرة النقل عن الجاحظ دون ذكره غالباً إلا في مواضع قليلة باسمه، وهو ما دفع بعض القدماء إلى اتهامه بالسرقة عن الجاحظ، وهذا مدفوع بأنه إنما يروى عنه بالإجازة، وقد صرح بذلك في غير موضع في كتابه.
ولقد لقي الكتاب انتشاراً وقبولاً لدى القدماء، فرجعوا إليه ونقلوا عنه، وقد ألح ابن عبد ربه (الأندلسي) في تاليف كتابه "العقد الفريد" بصورة خاصة على "عيون الأخبار" لابن قتيبة فأكثر الأخذ عنه حتى أن بعض أبواب العقد نًسخ واضح من أبواب مماثلة في كتاب عيون الأخبار.
ولعيون الأخبار مخطوط بمكتبة كوبريلي (رقم 1344) (منه نسخة مصورة بدار الكتب المصرية رقم 4297 – أدب)، وهي نسخة خالية من الضبط وخطها غير واضح بعيد عن الإتقان، كثيرة التحريف والأخطاء، كتبها إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزري في شهور سنة 594، وتقع في 651 صفحة.
وآخر في بطرسبورج (ليننجراد)، تحوي الجزءان الأولان فقط (منه نسخة مصورة بدار الكتب المصرية رقم 5549 – أدب)
وقد قام بتحقيق الكتاب المستشرق بروكلمان ونشره في جوتينجن سنة 1899: 1908، مع ملاحظاته باللغة الألمانية، معتمداً على مخطوطي بطرسبورج وكوبريلي، وأعاد طبع الكتاب الأول (كتاب السلطان) محمد إبراهيم أدهم الكتبي في مصر سنة 1324ه / 1907م.
ثم قام القسم الأدبي بدار الكتب المصرية بتحقيق الكتاب -معتمداً على مخطوطي كوبريلي وبطرسبورج- وإصداره في طبعة علمية رصينة بين عامي سنة 1924: 1930 مع تذييل بهوامش تفسر الغريب وتوضح الغامض مع ضبط مشكل الألفاظ طبعة بالغة الإتقان جميلة الخط أنيقة المظهر أُلحق بها فهارس رجال السند، وأسماء الشعراء، والأعلام، والأمم والقبائل والأرهاط والعشائر ونحوها، والأماكن، والكتب، والأمثال، وأيام العرب، والقوافي، وأنصاف الأبيات، مع وضع علامات الترقيم وتصحيح الأخطاء وتكميل الناقص من المصادر الأخرى المطبوعة والمخطوطة وبيان أسماء الأمكنة والبلدان.
وقد أعادت نشره مصوراً عن هذه الطبعة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، بمصر ضمن سلسلة الذخائر سنة 2003م.
والكتاب لا غنى عنه للباحث في التراث العربي شأنه في ذلك شأن كتابي البيان والتبيين والكامل. وفي الكتاب شأنه شأن كتب الأدب الكثير من الفوائد التي تنقل إلينا طبائع العرب بل والأمم التي خالطوها، وفيه من الجد والهزل في العلوم المختلفة الكثير، وفيه من اللغة والأخبار والأحداث، إلا أن المؤلف لم يراع الصحة التاريخية لما يروي، وعلى القارئ والباحث ألا يتخذ منه مصدراً للتوثيق العلمي، وإن ساقها المؤلف مساق الصحيح وأسندها بإسناد لا يُفرح به، فإن غالب أسانيد الكتاب معلقات ومراسيل ضعيفة، وفيه أخبار لفُسَّاق لا ينبغي أن تُحمل على أخلاق العرب وعادتهم. وفيه أخبار نُسبت إلى عصور الخير من الصحابة والتابعين لا يمكن قبولها منها قصة مصعب بن الزبير مع الشعبي وعائشة بنت طلحة، وفيه نصوص بعض الأحاديث جاءت بخلاف المروي المعروف في كتب الرواية المعتمدة، وقد عالج مصححو طبعة دار الكتب المصرية هذه الأحاديث معالجة غير أهل الاختصاص فأحالوها إلى كتب ليست من كتب الرواية.
المصدر ( http://www.eiiit.org/article_read.asp?articleID=501)