ثم إنه بعد الألف من الهجرة ألف الفاضل المحدث الشيخ أحمد المنيني الدمشقي كتابا لطيفا سماه "الفرائد السنية في الفوائد النحوية" وأشار فيه إلى طرف من آداب المطالعة وقد لخصت ذلك الطرف في رسالة , وزدت عليه أشياء استفدتها بالتجربة وسميت تلك الرسالة "آداب المطالعة" وذكرت أيضا جملة كافية في مقدمة كتابي" إيضاح المعالم من شرح العلامة ابن الناظم" الذي هو شرح ألفية ابن مالك في النحو.
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[26 - 05 - 09, 12:02 ص]ـ
[كيفية التفقه]
وحيث إن كتابي هذا مدخل لعلم الفقه أحببت أن أذكر من النصائح ما يتعلق بذلك العلم فأقول:
لا جرم أن النصيحة كالفرض , وخصوصا على العلماء, فالواجب الديني على المعلم _إذا أراد إقراء المبتدئين _أن يقرئهم أولا كتاب "أخصر المختصرات" أو "العمدة" للشيخ منصور متنا إن كان حنبليا , أو "الغاية" لأبي شجاع إن كان شافعيا ,أو "العشماوية" إن كان مالكيا , أو "منية المصلي" أو "نور الإيضاح" إن كان حنفيا. ويجب عليه أن يشرح له المتن بلا زيادة ولا نقصان , بحيث يفهم ما اشتمل عليه ويأمره أن يصور مسائله في ذهنه , ولا يشغله بما زاد على ذلك.
وقد كانت هذه طريقة شيخنا العلامة الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي , المشهور "بخطيب دوما" المتوفى بالمدينة المنورة سنة ثمان وثلاث مئة بعد الألف, وكان رحمه الله يقول لنا: لا ينبغي لمن يقرأ كتابا أن يتصور أنه يريد قراءته مرة ثانية , لأن هذا التصور يمنعه عن فهم جميع الكتاب , بل يتصور أنه لا يعود إليه مرة ثانية أبدا.
وكان يقول: كل كتاب يشتمل على مسائل ما دونه وزيادة, فحقق مسائل ما دونه لتوفر جدك على فهم الزيادة. انتهى.
ولما أخذت نصيحته مأخذ القبول لم أحتج في القراءة على الأساتذة في العلوم والفنون إلى أكثر من ست سنين , فجزاه الله خيرا , وأسكنه فراديس جنانه.
فإذا فرغ الطالب من فهم تلك المتون, نقله الحنبلي إلى "دليل الطالب" , والشافعي إلى "شرح الغاية" , والحنفي إلى "ملتقى الأبحر" , والمالكي إلى "مختصر خليل" , وليشرح له تلك الكتب على النمط الذي أسلفناه. فلا يتعداه إلى غيره, لأن ذهن الطالب لم يزل كليلا , ووهمه لم يزل عنه بالكلية.
والأولى عندي للحنبلي أن يبدٍل "دليل الطالب" "بعمدة" موفق الدين المقدسي إن ظفر بها , ليأنس الطالب بالحديث , ويتعود على الاستدلال به, فلا يبقى جامدا.
ثم إذا شرح له تلك الكتب , وكان قد اشتغل بفن العربية على النمط المتقدم, أوفقه هنالك , وأشغله بشرح أدنى مختصر في مذهبه في فن أصول الفقه , كـ "الورقات" لإمام الحرمين , وشرحها للمحلي, دون مالها من شرح الشرح لابن قاسم العبادي , والحواشي التي على شرحها.
فإذا أتمها نقله إلى "مختصر التحرير" إن كان حنبليا مثلا, ويتخير له من أصول مذهبه ما هو أعلى من الورقات وشرحها.
فإذا أتم شرح ذلك, أقرأه الحنبلي "الروض المربع بشرح زاد المستنقع" , والحنفي "شرح الكنز" للطائي , والمالكي أحد شروح متن خليل المختصرة , والشافعي شرح الخطيب الشربيني للغاية , ولا يتجاوز الشروح إلى حواشيها , ولا يقرئها إياه إلا بعد اطلاعه على طرف من فن أصول الفقه.
واعلم أنه لا يمكن للطالب أن يصير متفقها ما لم تكن له دراية بالأصول , ولو قرأ الفقه سنينا وأعواما , ومن ادعى غير ذلك كان كلامه إما جهلا وإما مكابرة.
فإذا انتهى من هذه الكتب وشرحها شرح من يفهم العبارات ويدرك بعض الإشارات, نقله الحنبلي إلى" شرح المنتهى" للشيخ منصور , و"روضة الناظر وجنة المناظر" في الأصول , والشافعي إلى" التحفة" في الفقه, "وشرح الإسنوي على منهاج البيضاوي" في الأصول, والمالكي إلى "شرح مختصر ابن الحاجب" الأصولي , و"شرح أقرب المسالك لمذهب مالك" , والحنفي إلى "الهداية" , و"شرح المنار في الأصول", فإذا فرغ من هذه الكتب وشرحها بفهم و إتقان, قرأ ما شاء وطالع ما أراد , فلا حجر عليه بعد هذا.
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[26 - 05 - 09, 12:04 ص]ـ
[التفقه على طريقة ابن بدران]
واعلم أن للمطالعة وللتعليم طرقا ذكرها العلماء , وإننا نثبت هنا ما أخذناه بالتجربة , ثم نذكر بعضا من طرقهم, لئلا يخلو كتابنا هذا من هذه الفوائد.
إذا تمهد هذا فاعلم أننا اهتدينا _بفضله تعالى_ أثناء الطلب إلى قاعدة , وهي أننا كنا نأتي إلى المتن أولا, فنأخذ منه جملة كافية للدرس , ثم نشتغل بحل تلك الجملة من غير نظر إلى شرحها , ونزاولها حتى نظن أننا فهمنا , ثم نقبل على الشرح فنطالعه المطالعة الأولى امتحانا لفهمنا, فإن وجدنا فيما فهمناه غلطا صححناه , ثم أقبلنا على تفهم الشرح على نمط ما فعلناه في المتن , ثم إذا ظننا أننا فهمناه راجعنا حاشيته _إن كان له حاشية_ مراجعة امتحان لفكرنا , فإذا علمنا أننا فهمنا الدرس تركنا الكتاب واشتغلنا بتصوير مسائله في ذهننا , فحفظناه حفظ فهم وتصور , لا حفظ تراكيب وألفاظ , ثم نجتهد على أداء معناه بعبارات من عندنا , غير ملتزمين تراكيب المؤلف , ثم نذهب إلى الأستاذ للقراءة , وهنالك نمتحن فكرنا في حل الدرس , ونقٍوم ما عساه أن يكون به من اعوجاج , ونوفر الهمة على ما يورده الأستاذ مما هو زائد على المتن والشرح.
وكنا نرى أن من قرأ كتابا واحدا من فن على هذه الطريقة سهل عليه جميع كتب هذا الفن , مختصراتها ومطولاتها , وثبتت قواعده في ذهنه , وكان الأمر على ذلك.
¥