تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ليس كل من كان كتابه شيخه ضل!]

ـ[أحمد بن صالح الزهراني]ــــــــ[29 - 05 - 09, 01:42 ص]ـ

من كان كتابه شيخ ضل، هكذا قال من مضى، ويعنون بذلك أنّ الأخذ من الكتب بمعزل عن الاسترشاد بأهل العلم أصحاب الدراية به سبب للضلال سواء كان الضلال بمعناه الحسي أي الخطأ في اللفظ والقراءة والكتابة ونحوها، أم الضلال الفكري أي فهم النصوص بطريقة خاطئة ومن ثم الوقوع في الانحرافات الفكرية بأشكالها.

ومن هنا كان الحرص على لقاء العلماء والأخذ عنهم والقراءة عليهم سنة علمية ولاشكّ في أهميّة هذا الأصل وضرورته، لكن أحب أن أشير هنا إلى مسألتين مهمتين تتعلقان بهذه القضية:

الأوّل: أنّه جرت عادة البعض بالطعن في بعض العلماء بأنّه لم يأخذ عن الشيوخ.

أقول: وهذا الطعن ليس له محل إلاّ إذا وقع الشخص في الانحرافات أو الأخطاء العلمية إلى حد خارج عن الصواب كثرة أو نوعاً، فحينئذ جاز عيبه بذلك كتفسيرٍ للوقوع في هذه الأخطاء، والمنطق يقول إنّ الحادث يُنسب لأقرب وأوضح سبب.

أمّا إذا كان العالم قد وصل مرتبة مرموقة في العلم ولم يُؤخذ عليه شيء من الأخطاء الزائدة عن الحد عددا أو نوعا فهي فلتة ولكن الله وقا شرّها، فإنّ مثل هذا القدح ليس له محل، خاصة إن كان حصول هذا الأمر خارج عن إرادته كأن يكون في بلد يخلو من العلماء، بل إنّه والحالة هذه ينقلب محمدة لا مذمة، إذ يمكن القول إنّ هذا دليل على حفظ الله له وتوفيقه إياه للصواب والاستقامة ودليل على ملكات زائدة وذكاء وتبصّر مكّنته من بلوغ المراتب العليا في العلم والفهم دون التدرج في مجالس العلم في البدايات.

وهذا بالطبع لا يسوّغ تقليده في هذا إن قدر الشخص على لقاء العلماء، بل الأصل هو الدرس على أيدي أهل العلم والبدء بذلك والتدرج حتى يشتد عود الطالب، ومن ثم ينطلق.

المسألة الثانية:

أنّ بعض الناس يغفلون عن جانب التطور والتغير في أنماط وطرائق التعلم، ففي السابق كان العلم يؤخذ في حلقات المساجد ولم يكن هناك تعليم نظامي، ثم تطور الأمر وأنشئت المدارس، والآن يوجد لدينا الجامعات، وفي هذه الجامعات مناهج علمية في جميع التخصصات، ويهمني منها العلوم الشرعية وما يدور في فلكها، وهذه المناهج تتدرج بالطالب من مستويات أولية حتى تصل به إلى أدق التخصصات في مراتب علمية عالية المستوى.

فهذه المدارس والجامعات على وجه الخصوص تقوم مقام الشيوخ في حلقات المساجد، فمن درس في الجامعات لا يجوز اتهامه ولا القدح فيه بأنّه أخذ العلم بطريق غير صحيح، كما لا يجوز التزهيد فيها كما يفعل البعض حتى وصل الحال إلى أنّ بعض الناشئة تتوفر له جامعات جيّدة الإعداد فيزهد فيها ويريد الرحلة إلى شيخ في أقصى المعمورة.

إخوتي الكرام: هذا الجانب هو الجانب الأقل في العملية التعلّميّة، إذ للأمر ثلاثة أركان اثنان منهما لا يتغيران: وهما توفيق الله تعالى وعونه، وهمة الطالب وملكاته الشخصية، أمّا الركن الثالث فمتغير وهو المحاضن العلمية التي يُتلقى يها العلم.

فدروس الشيوخ وحلقات المساجد ربما أصبحت لا تؤدي الغرض المراد منها إلاّ في حدود ضيقة جدا لأولئك الذين لم يتيسر لهم الدرس الجامعي.

أمّا الذين يلتحقون بالجامعات في تخصصات شرعية فعلام يضيع الواحد منهم وقته فيفرط في مناهج الجامعة ويزهد فيها ويبحث عن دروس في حلقات ربما تكون متقطعة وبعضها لا يكتمل وبعضها يحتاج إلى سنين طويلة.

ورحم الله أستاذنا الشيخ الدكتور محمد بن مطر رحمه الله الذي طالما كان يوبخ من يراه في درسه للمصطلح في المسجد أو البيت، وكان يقول اهتم بدرس الجامعة وابحث خارج الجمعة عما لا يتوفر فيها فقط.

بل إنّ بعض التخصصات الشرعية في بعض الجامعات يفيد الطالب لو اعتنى به أكثر من جلوسه عند شيخ واحد سنين طويلة، فإني أتذكر أنّنا في الجامعة الإسلامية بالمدينة درسنا علوم الحديث على مجموعة من الدكاترة الذين لعل بعضهم لا يعرفه أكثر الناس لكنه في تخصصه بارع، منهم: محمد بن مطر الزهراني رحمه الله، وأنيس بن طاهر الأندونيسي، وإبراهيم نور سيف، وعبدالرحيم القشقري، وعبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف رحمه الله، وحافظ الحكمي، وهؤلاء الستة كلهم جهابذة في تخصصهم، وكانوا يدرسون مناهج قوية في تخصص الحديث، والله يعلم كم أندم على تفريطي في الاستفادة منهم، وقد استفاد منهم بعض زملائي الكرام فنجحوا وأنجحوا ومنهم الزميل الحبيب النجيب الشيخ علي العمران.

وفي رأيي الشخصي أنّ الفائدة بمجموعهم تفوق الفائدة فيما لو مكث الواحد منا عند شيخ واحد قد يبرع في جانب ويقل عطاؤه في جانب آخر، فكل واحد من الدكاترة الذين أشرت إليهم كان صاحب تخصص فريد فهذا في الجرح والتعديل وهذا في التخريج وهذا في الرواة وهكذا.

وخلاصة الأمر أنّه لا يجوز أن نقول لمن حصل على شهادات الجامعات ابتداء من البكالوريوس إلى ما فوق إنّه لم يأخذ العلم عن الشيوخ والعلماء فهذا خطأ محض ففي الجامعات أساتذة ربما لا يوجد خارجها من هو مثله.

وأمر إلحاقي ألا وهو المبالغة، فبعض الناس يبالغ في اشتراط الشيوخ الأكابر فلعله يرحل ليقرأ على الشيخ الفلاني ثلاثة الأصول، ويضيع فرصة الالتحاق بجامعة حتى لولم يكن فيها أساتذة بالمستوى المطلوب فإنّه لا يعدم منهم فائدة مفاتح العلم بقدرٍ مّا؛ ينفعه في الانطلاق في البحث والقراءة، ويزيد الأمر حين نتذكر بأنّ شروح هذه المتون الابتدائية موجود متوفر في الأشرطة والأقراص، وما أشكل علينا يمكن أن يسأل عنه بالهاتف وغيره من وسائل الاتصال.

أخيرا فإنّي لا أقصد بمقالي هذا التزهيد في طلب العلم في المساجد وعلى أيدي العلماء الكبار حين يتوفرون ويتوفر الوقت وبموازنة الفائدة التي يجنيها مع الوقت والجهد المصروف، وإلاّ فمن اجتمعت له هذه الأمور كلها مع الدراسة الجامعية فهذه نعمة لا تقدّر بثمن، والله أعلم بالصواب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير