تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهل هذا سؤال بالكورية طبعاً! ...

ـ[فؤاد البابلي]ــــــــ[17 - 01 - 2006, 07:53 ص]ـ

تُعَدّ اللغة وسيلة التواصل الفكري بين أبناء الأمة الواحدة، وهي في الوقت نفسه تمثل حاجة مُلِحّة، وضرورة لا غنى عنها لكل أمة تشرع في النهوض من كبوتها وتسعى إلى اللحاق بركب الحضارة، مؤمنة بالدور الأساس للعلوم الأساسية والتطبيقية والتقنية في صنع التقدم والرقي، ولكن في ظل انتشار تعليم العلوم الأساسية في معظم الدول العربية بلغات أجنبية سواء كانت فرنسية أو إنجليزية، يبقى الجدل قائماً حول تعليم العلوم بالعربية أو بلغات أجنبية منذ أوائل القرن العشرين ولم يحسم العرب هذا الجدل بعد، بل مثَّل الأمر تراجعًا هائلاً في مصر أمام حركة تعريب العلوم، فصارت العديد من الكليات الجامعية التي كانت تدرِّس العلوم الإنسانية باللغة العربية، ذات قسمين: قسم يدرسها بالعربية، وقسم آخر بلغات أجنبية، ونرى هذا في كليات الحقوق والتجارة والاقتصاد والعلوم السياسية.

الدكتور "أحمد فؤاد باشا" أحد أنصار تعريب العلوم، يقول في هذا الصدد: التعريب حتمية لا مضرَّ منها إذا كنا نريد التقدم علميًّا وبصورة فعلية، هذه الحقيقة استوعبها علماء الحضارة الإسلامية عندما ترجموا معارف السابقين إلى اللغة العربية، واستوعبها أيضًا الغربيون عندما ترجموا علوم الحضارة الإسلامية في أوائل عصر النهضة الأوروبية الحديثة، وتعيها اليوم كل الأمم التي تدرس العلوم بلغاتها الوطنية، في سعي حثيثٍ نحو المشاركة الفعَّالة في إنتاج المعرفة وتشييد صرح الحضارة المعاصرة ... ويضيف أن أمر تعريب العلم والتعليم أضحى ضرورة من ضرورات النهضة العلمية والتقنية التي ينشدها العرب. والحديث عن هذه الضرورة قد تجاوز الآن مرحلة الإقناع بالأدلة والبراهين المستقاة من حقائق التاريخ، ومعطيات الواقع المعاش، وعليه أن ينتقل إلى مرحلة التخطيط والتنفيذ، وفق أسس وضمانات منهجية مدروسة، وعن طريق آليات ومؤسسات قادرة على إنجاز المشروع الحضاري. ويروي الدكتور "إسحاق الفرحان" عضو مجمع اللغة العربية الأردني أنه كان بصحبة وزير التربية الأردني حين كانا يحضران حفلاً للسفارة الكورية في عَمان، فسأل وزير التربية السفير الكوري: بأي لغة تدرسون الطب والعلوم والهندسة في بلادكم، فلم يجبه السفير، ولما كررت أنا السؤال يقول الدكتور، نظر إليَّ السفير قائلاً: وهل هذا سؤال يُسأل، بالكورية طبعًا. السفير الكوري ربما كان جافي الرد، ولكنه كان مُحِقًّا في اعتبار أنه من السخف أن يعلّم الناس مواد العلوم أو يتعلمونها في بلادهم بغير لغتهم الأم.

ومن اللافت للنظر في هذه القضية أنه مع بدايات عصر النهضة العربية الحديث أوائل القرن الماضي انطلقت العربية تأخذ طريقها إلى دنيا العلوم والحضارة الحديثة، وكان طبيعيًّا أن تتخذ مدارس "محمد علي" في مصر منذ تأسيسها عام 1825م في الطب والهندسة والزراعة والعسكريات، اللغة العربية وسيلة لها في تعليم المناهج على كل المستويات، مدعمة بمدرسة الألسن وجهود المبعوثين في مختلف فروع العلم. وكذلك كانت الحال في الكلية السورية الإنجيلية - الجامعة الأمريكية في بيروت لاحقًا - أواسط القرن الماضي أيضًا، حيث كانت مؤلفات المستشرقين الأمريكان، من أمثال كرفيلوس فانديك ويوحنا وجورج بوست، بمعاونة أساتذتهم العرب من أمثال بطرس البستاني واليازجيين ناصيف وإبراهيم، ويوسف الأسير وأحمد فارس الشدياق، تغطي برامج الدراسة في علوم الطب والفيزياء والكيمياء والصيدلة والرياضيات والفلك وسواها بلغة عربية سليمة ومستوى علمي جيد، ولم يخطر ببال رواد النهضة الحديثة، عربًا أو أجانب من المخلصين، التدريس بغير العربية، تطبيقًا لمنطق علمي براغماتي بسيط ما زال هو المنطق العملي الصحيح اليوم.

ورافق ذلك الانتعاش للغة العربية إصدارات جديدة للمعاجم العربية التراثية الشهيرة كمختار الصحاح 1870، والقاموس المحيط 1872 الذي كان قد جُدِّد على يد المعلم بطرس البستاني ونشر مطولاً ومختصرًا 1870، ولسان العرب وأساس البلاغة 1882، وتاج العروس 1889، وغيرها. وقد كان يُرجى للغة الغربية في هذا العهد أن تبلغ أعلى درجات الرقي لو أتيح لها أن تكون وتستمر لسان حال النهضة الحديثة العلمية العصرية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير