تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

منَ الأخطاءِ اللُّغويةِ الشائعةِ (سلسلةٌ متصلةٌ)

ـ[أبو قصي]ــــــــ[25 - 03 - 2006, 05:25 م]ـ

تمهيدٌ

كائنْ أرى من أخطاءٍ كثيرةٍ يقعُ فيها جمهرةُ الأدباءِ والكُتّابِ غيرَ معصومٍ منها إلا شرذمةٌ قليلونَ تعدُّهم عدًّا. وتالِكمُ الأخطاءُ تُزري بصاحبِها، وتَخفِضُ من قدرِه، وتكشِفُ عن جهلِه بعلومِ العربيةِ من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ وغيرِها، وتنبّهُ على غفلتِه في شئونِ العلمِ، وضَُعفِ بصرِه بالاستنباطِ ودِقّةِ النظرِ في التصويبِ والتخطئةِ. ولتريّنّ من أسفٍ كثيرًا من أُلئكَ يتبوءُونَ من الجاهِ منازلَ عليةً، ولتريّنَّ الاحتفالَ بهم والاعتدادَ ظاهرًا لدى العامّةِ والخاصّةِ؛ وهمُْ كما قدمتُ منَ الجاهلينَ أوْ منْ أشباهِ الجاهلينَ. ولا جرمَ أنَّ هذا من فسادِ الزمانِ، وخُبثِ الطبعِ، واستواءِ العامةِ والخاصةِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.

منْ أجلِ هذا بدا لي أنْ أنبّهَ على فريقٍ كبيرٍ منْ هذيكَ الأخطاءِ مستعينًا باللهِ، لائذًا بحماه.

وسأجعلُ هذا الموضوعَ على حلَقاتٍ متدارِكةٍ، أذكرُ في كلِّ حَلْقةٍ خمسَةَ أخطاءٍ ذائعةٍ، وربما عمَدتُ إلى مداورةِ بعضِ الشئونِ اللغويةِ، غيرَ حاجزٍ نفسي في مكانٍ أزْلٍ، ومجالٍ ضيّقٍ.

وأنا لا أستغني عن تعاليقِ إخواني الكرامِ؛ فإن المرءَ قليلٌ بنفسِه، كثيرٌ بإخوانِه.

وإن أكن أصبتُ فمن اللهِ، وإن أكن أخطأتُ فرأيٌ رأيتُه، والآراءُ تخطئُ وتصيبُ.

===

1 - يقولون: (طبعًا) طبعَ الله على قلوبِهم بأنهم قومٌ لا يفقهونَ. وهاتي الكلمةُ يلوكها في لسانه كل أحدٍ جاهلٍ أو مؤتزرٍ بإزارِ العلمِ. وهي كلمة دخيلة في العربية، أحسَِبها وردت علينا من ترجمة الكتبِ الأجنبيةِ مع بِداءةِ عصر النهضة أو السقطةِ. وللحديث عما جرته علينا الترجمةُ من مصائبَ مقامٌ طويلٌ. وربتما أراد بعضُ المترجمين أن يترجم الكلمة الإنجليزيةَ ( of course ) فلم يعرف لها في العربية مرادفًا فترجمها لفسادِ الطبعِ (بالطبع أو طبعًا) وهي حشوٌ من القولِ، وعِيّ في الكلامِ لا ينبغي أن يلفظها من في قلبِه ذرةٌ من أنفةٍ، أو قليلٌ من فقهٍ. (يُنظر في البيان والتبيين / 1/ 113) وإني أرى في العربية بديلاً لها هو (لا جرم) و (حقًّا) و (أجَلْ) و (نعَم) و (لا ريب) و (لا شك) ونحوها.

2 - يقولون: نحن كمسلمين نخافُ الله. وهذا التعبير المرذول المحرّف للمعنى عن موضعه من تبِعات الترجمة الرديئة. وأنا أحسبها مترجمة حرفيًّا من الكلمةِ الإنجليزيةِ ( as ) فإنها تستعمل بمعنى الكاف، ويضعونها موضع الاختصاص في العربية. وذِهِْ مما عمت وطمت حتى لا ترى لسانًا إلا يتشدق بها، وبئسَ من لسانٍ يتبعُ كل ما يسمعُ، ويجعل لغته حلالاً لكل مفسدٍ، إنا لله وإنا إليه راجعون!

وفي لغتنا بديل عن هذا التعبير، أُفردَ له في النحو بابٌ مستقلٌّ هو بابُ (الاختصاصِ) تقولُ ـ مثلاً ـ: نحنُ المسلمين نخافُ الله. نُصب (المسلمين) بفعل مضمر وجوبًا تقديره أعني أو نحوُه. أو تقول: نحن أيها المسلمون نخاف الله. ومما ورد في ذلك قول الشاعر:

جُد بعفوٍ فإنني أيها العبـ ... ـدُ إلى العفو يا إلهي فقيرُ

وقول الآخر:

إنا بني نهشلٍ لا ندّعي لأبٍ ... عنه ولا هو بالآباءِ يشرينا

وأنبه على أن هذا التعبيرَ الفاسدَ قد أجازه مجمع اللغة العربية في القاهرة بحجج واهيةٍ داحضةٍ لا يُلتفتُ إليها. وهذا شأن المجمع في كل ما يفشو على ألسنةِ الناسِ؛ إذ يتكلفونَ له التأويلَ تكلفًا ظاهرًا!

3 - يقولون: في هذه الفترة. أو بعد فترة؛ أي: مدة. وهو خطأ؛ فإن الفترة في اللغة هي الضعفُ والسكون وانكسارُ الحدة والنشاطِ؛ ولهذا يطلق على ما بين النبيَّين، كما قال ـ تعالى ـ: ((يا أهل الكتابِ قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل)).

والبديل من ذلك هو (مدة) و (زمن) و (حقبة) ...

4 - يخطئون من يقولُ من العامة (تَفْتَر) في (دَِفتر) وهو صواب؛ فـ (التفتر) لغة بني أسدٍ، حكاها الفراءُ.

5 - يقفونَ على التنوين؛ فيقولون ـ مثلاً ـ هذا كتابُن، أو قرأت كتابَن، أو اطلعت على كتابِن. وهو غلط؛ فإن العربَ لا تقف على التنوين ألبتةَ إلا تنوين الترنم، والتنوين الغالي، كما ذكر أبو سعيد السيرافيُّ وابن جني وغيرهما، وقال ابن مالك في ألفيته:

تنوينًا اثْرَ فتحٍ اجعلْ ألفًا ... وقفًا وتلوَ غيرِ فتحٍ احذفا

ونلقاكم إن شاء الله غيرَ بعيد. وإني آمُلُ أن تشرفوني بتعليقاتِكم، وآرائكم.

أبو قصيّ

ـ[معالي]ــــــــ[26 - 03 - 2006, 12:51 ص]ـ

السلام عليكم ورحمة الله

حيا الله أستاذنا الكبير، وأهلا بعودتكم بعد طول غياب!

عُدتم فكان العود أحمد، وهذه من دُرركم التي طالما توشت بالبديع من الأساليب، وازّيّنت بالتواضع الكبير والأدب الجمّ!

أستاذنا الكريم

ثمّة كتبًا تحدثت عن الأخطاء الشائعة، كمعجميْ العدناني وكتاب محجوب محمد موسى (تطهير اللغة)، وغيرها!

ثم إني قرأت لأحد الأساتذة الأفاضل هنا ( http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=3983) تحذيرًا من بعض هذه الكتب!

فهل من ضوابط نميز بها جيدها من رديئها، وصحيحها من سقيمها؟

ثم إنكم قلتم _وفقكم الله_:

وأنبه على أن هذا التعبيرَ الفاسدَ قد أجازه مجمع اللغة العربية في القاهرة بحجج واهيةٍ داحضةٍ لا يُلتفتُ إليها. وهذا شأن المجمع في كل ما يفشو على ألسنةِ الناسِ؛ إذ يتكلفونَ له التأويلَ تكلفًا ظاهرًا!

فهل يُسقط فعلُ المجمع هذا ثقتَنا فيما يصدر عنه من إجازات؟ وكيف نتبيّن صوابَ ما ذهب إليه المجمع من خطئه؟

شاكرة ً لكم هذا العطاء الجليل، وبانتظار مواصلتكم _بارك الله فيكم_ كتابة َ هذه السلسلة النافعة الماتعة، جزيتم خير الجزاء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير