تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جاء في المادة (1195) وفي الصفحة (410) من معجم الأغلاط قوله: " ويقولون: إن معنى طفف الكيل والوزن زادهما ... والحقيقة أن معنى طفف الكيل والوزن هو نقصهما. قال تعالى: ويل للمطففين ... وقد فسرها سبحانه بالآية الثالثة: وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ... " وهذا من أغرب ما وقع لي في هذا الكتاب وشقيقه، لأن الكاتب إذا استبعد اللجوء إلى كتب الحديث لكثرتها وبعدها وصعوبة البحث فيها، فأين البعد هنا بين الآية الثانية والثالثة؟.

ومع هذا، فمن هم أولئك الذين زعم المؤلف أنهم يقولون؟. أهم موجودون حقا أم هم من صنعته؟. وهل وصل عددهم ونوعهم إلى درجة تسمح له بأن يجعل الغلط شائعا؟.

فلندع ذا ولندخل في صلب الموضوع، تقول الآية الأولى: ويل للمطففين، وتقول الآية الثانية (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) وتقول الثالثة: (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) ألا يفسر سبحانه في الآية الثانية معنى المطففين أيضا؟. فما الذي جعل المؤلف يقفز عن الآية الثانية إلى الآية الثالثة مباشرة؟. الحق أننا أمام أحد سببين:

· إما أن المؤلف لا يسعى إلى الحق والحقيقة؛ لأنه بذلك لن يجد مواد يتورم بها كتابه، ويتخم بها معجمه.

· أو هو متعصب لرأي مسبق ولو كان غلطا، ويبحث له عن أية أدلة.

والحق أن التطفيف وما يشتق منه إنما هو من ألفاظ الأضداد، بدليل الآيات السابقة نفسها، فالكلمة تدل على الاستيفاء والربا والزيادة، كما تدل على الإخسار والبخس والنقص، فالمطففون هم الذين إذا وزنوا لأنفسهم أوكالوا لها يطففون، أي يزيدون أو يستوفون ويأخذون حقهم كاملا غير منقوص، وإذا كالوا للناس أو وزنوا لهم يطففون أي يبخسون ويُخسِرون وينقصون. فالتطفيف من الأضداد، أي من الكلمات التي تعني كل منها المعنى وضده، ويفهم المقصود من السياق، هذا هو مذهب الكاتب في التحايل والتزوير وطمس الحقائق، مذهب شديد السطحية، فلو أبعد الرجل شاهده فلربما عذرناه، أو قلنا لقد بعدت عليه الشقة فلم يفطن إلى الشاهد القريب، وشدة القرب حجاب، ولكنه أخذ الآية الثالثة وتعامى عن الثانية، أفيظن الناس يتغابون عنها أيضا؟.

ذكر الزمخشري في الأساس لكلمة (طفَّف) عددا من المعاني التي تدل على الارتفاع والكثرة، منها قوله: خذ ما طف لك واستطف، أي ما ارتفع لك، واستطف السنام: ارتفع. كما ذكر لها عددا من المعاني التي تدل على القلة، ومنها: طفف المكيال، وشيء طفيف: قليل، وما بقي في الإناء إلا طفافه: شيء يسير، ومن المجاز طفف على عياله: قتر عليهم، وطفت الشمس: دنت للغروب. مما يؤكد أن الكلمة من الأضداد.

ومما يقوي ذلك، قول البحتري، وهو إذا لم يكن حجة في النحو، إلا أن العلماء لم يمنعوا الاحتجاج به في البلاغة والمعاني، يقول البحتري:

بلغ من صُبابة العيش عندي *******طففتها الأيام تطفيف بخس

فالشاعر يفهم أن التطفيف نوعان: تطفيف بخس وتطفيف فضل، ولولا ذلك لما خصص التطفيف وأضافه إلى البخس، إنه يعرف أنه لو لم يقل تطفيف بخس لظنه الناس يقصد تطفيف فضل، ومعرفته بوجود معنيين متضادين للكلمة، هو الذي جعله يستدرك فيخصص ويضيف إلى البخس، حتى يفهم القارئ والسامع كلامه على الوجه الذي يريده وهو تطفيف البخس لا الزيادة. وهكذا نجد الأغلاط في معجم الأغلاط. والله أعلم ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير