وقال: كيف يكون الإدلاج مع الصبح ولم يرد الشمَّاخُ ما ذهب إليه وإنما أراد المنادى كان مرة ينادي (أصبح القوم) كما يقول القائل لقوم أصبحوا وهم نيام (أصبَحْتم كَمْ تنامون) وكان مرة ينادي (أدلجي) أي: سيري ليلا
يقال: أدْلَجْتُ فأنا مُدْلِجٌ إدْلاجًا والإسم الدَّلَجُ - بفتح الدال واللام - والدَّلْجَة فإن أنت خرجت من آخر الليل فقد أدّلجْتَ - بتشديد الدال - تَدَّلِجُ ادِّلاجاً والإسم منه الدُّلجة - بضم الدال - ومن الناس من يجيز الدَّلجة في كل واحد منهما كما يقال: بَرْهة من الدهر وبُرْهة
ومن ذلك (العِرْضُ) يذهب الناس إلى أنه سَلَفُ الرجل من آبائه وأمهاته وأن القائل إذا قال (شَتَمَ عرضي فلان) إنما يريد شتم آبائي وأمهاتي وأهْلَ بيتي وليس كذلك إنما عِرْض الرجل نفسُه ومَنْ شتم عِرْضَ رجل فإنما ذكره في نفسه بالسوء ومنه قول النبيّ في أهل الجنة (لا يَبُولُونَ ولا يَتَغَوَّطون إنما هو رَقَ يخرج من أعراضهم مثل المِسْكِ) يريد يجري من أبدانهم ومنه قول أبي الدَّرْداء (أقْرِض من عِرضك ليوم فقرك) يريد مَن شتمك فلا تشتمه ومن ذكرك بسوء فلا تذكره ودَعْ ذلك عليه قَرْضاً لك ليوم القصاص والجزاء ولم يرد أقرض عرضك من أبيك وأمك 32 واسلافك لأن شَتْمَ هؤلاء ليس إليه التحليلُ منه وقال ابن عُيَيْنَة: لو أن رجلا أصاب من عرض رجل شيئاً ثم تَوَرَّعَ فجاء إلى ورثته أو إلى جميع أهل الأرض فأحَلّوه ما كان في حلٍّ ولو أصاب من ماله شيئاً ثم دفعه إلى ورثته لكنا نرى ذلك كفارة له فعِرْضُ الرجل أشد من ماله قال حسان بن ثابت الأنصاري:
(هَجَوْتَ محمَّدًا فأجَبْتُ عَنْهُ ... وعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ)
(فإنَّ أَبي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ محمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ)
أراد فإن أبي وجَدَّي ونفسي وقاء لنفس محمد ومما يزيد في وضوح هذا حديثٌ حدَّثنيه الزيادي عن حَمَّاد بن زيد عن هشام عن الحسن قال: قال
الله (أَيَعْجِزُ أحدكم أنْ يَكونَ كأبي ضَمْضَمٍ كان إذا خرج من منزله قال: اللهم إني قد تصدَّقْتُ بِعِرْضِي على عِبادك)
ومن ذلك (العِتْرَة) يذهب الناس إلى أنها ذُرّيَّةُ الرجل خاصَّةً وأنَّ من قال: (عترة رسول الله) فإنما يذهب إلى ولد فاطمة رضي الله عنها وعِتْرَةُ الرجل ذريته وعشيرته الأدْنَوْنَ: مَنْ مضى منهم ومن غَبَرَ ويَدُلك على ذلك قول أبي بكر رضي الله عنه (نحن عِتْرَة رسول الله التي خرج منها وبَيْضَته التي تَفَقَّأَتُ عنه وإنما جِيبَتِ العربُ عنا كما جيبت الرحا عن قُطْبها) ولم يكن أبو بكر رضوان الله عليه ليدّعِيَ بحضرة القوم جميعاً ما لا يعرفونه
ومن ذلك (الخُلْفْ والكَذِب) لا يكاد الناس يفرقون بينهما والكذب فيما مضى وهو أن يقول: فعلت كذا وكذا ولم يفعله والخلف فيما يُسْتَقبل وهو أن تقول: سأفعل كذا وكذا ولا تفعله
ومن ذلك (الجاعِرة) يذهب الناس إلى أنها حَلْقَة الدبر وهي تحتمل أن تسمى جاعرة لأنها تجعَرُ أي: تُخْرِج الجعْرَ ولكن العرب تجعل الجاعرتين من الفَرَس والحمار موضع الرَّقْمتين من مؤخر الحمار قال كعب بن زهير يذكر الحمار والأنُنَ:
(إذا مَا انْتَحَاهُنَّ شُؤْبُوبُهُ ... رَأيْتَ لِجاعِرَتَيْهِ غُضُونًا)
شُؤْبوبه: شدة دَفْعَته يقول: إذا عَدَا واشتدّ عَدْوه ورأيت لجاعرتيه تكسُّرًا لقَبْضِه قوائمهُ وبَسْطِه إياها
وأما قول الهذَلي في صفة الضبع:
(عَشَنْزَرَةٌ جَواعِرُها ثَمَانِ ... )
فلا أعرف عن أحد من علمائنا فيه قولا أرتضيه
ومن ذلك (الفقير والمسكين) لا يكاد الناس يَفْرُقُونَ بينهما وقد فَرَق الله تعالى بينهما في آية الصدقات فقال جل ثناؤه (إنما الصّدَقَاتُ للفقراء والمساكين) وجعل لكل صنف سَهْمًا والفقير: الذي له البُلْغة من العيش والمسكين: الذي لا شيء له قال الراعي:
(أَمّا الْفَقِيرُ الّذِي كانَتْ حلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَد)
فجعل له حَلُوبة وجعلها وَفْقًا لعياله أي: قوتاً لا فَضْلَ فيه
ومن ذلك (الخائن والسارق) لا يكاد الناس يَفْرُقُونَ بينهما والخائن: الذي اؤتمن فأخذ فخان قال النّمِرُ بن تَوْلَبٍ:
(وَإنّ بَنِي رَبِيعَةَ بَعْدَ وَهْبٍ ... كَرَاعِي الْبَيْتِ يَحُفْظَهُ فَخَانَا)
¥