تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكن إذا عرفنا أن ابن عباس أراد هنا النسخ الجزئي, فالنسخ الجزئي ـ الذي عليه كثير من كلام السلف ـ يدخل فيه: بيان المجمل, وتخصيص العام, وتقييد المطلق, والاستثناء, فمصطلح النسخ عند السلف أوسع؛ لأنه يشمل النسخ الكلي والجزئي, أما مصطلح النسخ عند المتأخرين فإنه لا يشمل إلا النسخ الكلي فقط.

• أنواع النسخ قال السيوطي: (النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب:

أحدها: ما نسخ تلاوته وحكمه معاً) هذا قليل إن لم يكن نادراً لكن تبقى التلاوة فقط, مثاله: قول عائشة: كان فيما أنزل: عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله ? وهنَّ ما يقرأ من القرآن. قولها: (عشر رضعات) هذا نسخ تلاوة وحكماً لكن بقيت الإشارة إلى تلاوته كما في كلام عائشة, وهي غير موجودة في القرآن الذي بين أيدينا الآن, أما قولها: (فنسخن بخمس معلومات) أي نسخت تلاوة وبقيت حكماً.

• قال السيوطي: (الضرب الثاني: ما نسخ حكمه دون تلاوته) هذا هو النسخ الكلي وأمثلته كثيرة وإن كان بعض المعاصرين يرى أن الذي ينطبق عليه هذا النوع هو آية الصدقة فقط، وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13).

• قال السيوطي: (الضرب الثالث: ما نسخ تلاوة دون حكمه) , ومن أشهر الأمثلة على النسخ في هذا النوع آية الرجم وهي (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجمهما ألبتة نكالاً من الله .... ) ويعترض البعض أن هذه ليست على نسق القرآن ونظمه المعروف, ونقول: هاهنا قاعدة، وهي: (إن أيَّ آيةٍ نُسِخت فإنه يزول عنها ما للقرآن من خصائصه في نظمه وإعجازه)، ولذا قد تروى بالمعنى، وهنا يزول الإشكال.

• هناك ضرب رابع في النسخ لم يذكر السيوطي، وهو: نسخ التلاوة والحكم معاً دون الإشارة إلى تلاوته فهناك آثار تدل على أن هناك آيات نُسِخت تماماً؛ كما في كلام عائشة في سورة الأحزاب، قالت: (كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي ? مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن) وفيه نكارة لكن روي بطرق متعددة.

• تعقيب:

يجب أن ننطلق في هذه التقسيمات وغيرها من الأمثلة، فنستقرئها، لا أن نُقَّعِد القواعد ثم ننطلق منها، ثم نذكر لها أمثلة، فالانطلاق من الأمثلة لتقرير القواعد هو الأمثل. وقد أشار شيخ الإسلام في مقدمته إلى مشكلة من مشكلات أهل العقائد الفاسدة: أنهم قرروا قواعدهم ثم بحثوا عن أمثلة لها.

أولاً: قال السيوطي: (قال الحسين بن المنادي في كتابه (الناسخ والمنسوخ): ومما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر وتسمى سورتي الخلع والحفد).

أقول: هذه من الآثار التي يدور حولها جدل كثير، وقد أرد المستشرقون استغلالها في زعمهم بالنقص الذي اعترى جمع القرآن.

والردُّ عليهم هاهنا بقاعدة مهمة، وهي: إن أي شيء يثبت في المصاحف الخاصة بالصحابة فإنه لا يكون حجة على المصحف المجمع عليه.

ولا يعني هذا عدم الاستفادة منه، لكن المقام هنا لا يحتمل التفصيل.

ثانيًا: الأصل في هذا الباب أنه نقلي؛ لأنه لا يحكم بالنسخ إلا الله سبحانه، لكن طريق معرفة النسخ هي الآثار وقد يكون فيه اجتهاد كما ذكر ابن الحصار: إذا وُجِد التعارض التام، أو وجد الإجماع على أن هذه الآية تنسخ هذه الآية، فإن الإجماع يكون له مستند من الشرع.

ثالثًا: إذا كان النسخ كلياً فإن المعنى لا يتأثر فلذا النسخ الكلي ليس من علوم التفسير فمعنى الآية الناسخة والمنسوخة واضح ولا إشكال, وبما أن النسخ لا يقع في معاني الآيات، وإنما هو رفع حكم معلوم المعنى بحكم آخر معلوم المعنى؛ لذا فإنه من علوم القرآن فقط؛ لأن المسألة مرتبطة بالأمر ونوعه لا بمعنى الآية، ولو افتُرض وقوع خطأ من مفسر في حمل الآية على معنييها، فإنه خطأ من جهة تطبيق الآية لا من جهة بيان معانيها.

أما النسخ الجزئي فهو من علوم التفسير قطعاً؛ لأن تخصيص العام يؤثر على المعنى، فبالقول بالعموم يكون للآية معنى يخالف المعنى عند القول بالتخصيص في هذا العموم، ولما كان المعنى يتأثر في هذا المقام؛ دلَّ على أن النسخ الجزئي من علوم التفسير.

• علاقة هذا النوع بعلوم القرآن الأخرى:

- النسخ الجزئي له علاقة بمبحث المتشابه النسبي؛ لأنه ليس كل واحد يعرف تخصيص العموم ولا تقييد المطلق إلخ، فلما كان يقع فيه اشتباه على بعضٍ دلَّ على أنه من المتشابه النسبي الذي يعلمه قوم دون قوم.

- النسخ الجزئي له علاقة بالمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والخاص والعام.

- النسخ له علاقة بأحكام القرآن خاصة النسخ الكلي, أما الجزئي فإن كان يتعلق بالأحكام فهو داخل وإلا فلا.

- النسخ له علاقة وثيقة بالفقه وأصول الفقه.

• فائدة: القراءات الشاذة والأحرف الشاذة يحكم عليها بأنها مما نسخ، والذي يدلُّ على نسخها عدمُ وجودها في مصحف عثمان ?.

• فائدة: يمكن بحث زاوية في كتب النسخ، وهي أن تُتَتَبَّع تنظير العلماء في مفهوم النسخ في كتب الناسخ والمنسوخ ثم تُتَتَبَّع التطبيقات فيها لمعرفة تدرج مفهوم النسخ وما فيها من أنواع النسخ وكيف عالجت هذه الكتب هذه القضية، وهذا مهم جداً.

وكذا يمكن أن يُدرج في ذلك بحث الآثار على وجه الاستقراء؛ لمعرفة ما ثبت ثبوتاً صحيحاً من الآثار وما فيه ضعف لا يمكن الاحتجاج به.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير