الدكتور محمد الخضيري: يذكرالله- سبحانه وتعالى - نعمته عليهم , ثم بعد ذلك ما حدث منهم , فيقول لهم هذا ما فعلتموه , ومازال السياق على هذا النحو , حتى يأتي إلى المعاصرين في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- فيقول فيهم: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)} , فبدأ يذكر مخازي المعاصرين , وكثير من كفراياتهم , ومقابلتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالكفران والجحود , وهم أعلم الناس بأنه رسول الله حقا , يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وهي دلالة على المعرفة القطعية , كما قال عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -:" إني لأعرف أن هذا رسول الله أشد من معرفتي لأبني , فإني لا أدري من خلفني على أمه , لكني أعلم أن هذا رسول الله حقا ", إذن فمازالت الآيات تعدد مخازيهم: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ .. } {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ .. } {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} , ثم يذكر بعد ذلك المجادلات والخصومات معهم , و إلزامهم بالحجج: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} فهي ترد عليهم وتجادلهم , ثم ننتقل لمواضيع أخرى في بقية السورة.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: لفت نظري ما تكرر من الأمر بالوفاء بالعهد ثم التفصيل في تعداد مخالفات بني إسرائيل: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} , وهذا فيه جانبان؛الجانب الأول شدة عتو هؤلاء , وكثرة مخالفتهم , وقد كانت عندما تنزل الآيات على النبي -صلى الله عليه وسلم -و يتلوها على الصحابة تبلغ اليهود , كما كان حال كفار قريش, شديدي الحرص على تتبع الجديد من الوحي , فكانوا كالمسلمين أو أشد حرصا , وقد يكون ذلك للرد عليه أو تسفيهه أو دهشة من جماله ,كما في قصة أبو سفيان والأخنس بن شريق.
الدكتور محمد الخضيري: عندما كانوا يأتون في الليل ليستمعوا لتلاوة الرسول- صلى الله عليه وسلم -للقرآن.
الدكتور عبد الرحمن الشهري: والأمر الثاني: أن فيها تحذير من مخازي بني إسرائيل وتنبيه عليها ونهي عنها, فالصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يعرفون أن هذه الرسائل أتت لكي يجتنبوا ما وقع فيه بني إسرائيل , والسورة كما تقدم معنا مرارا تدور حول هذا , وقصة البقرة قصة رمزية في ذلك.
الدكتور محمد الخضيري: ولذلك نقول ونؤكد أنه ينبغي للقارئ عندما يرى مثل هذه الوصايا الربانية أن يدونها , ثم ينظر في القرآن و أوامر الرب لنا - أمة محمد - سيجدها موجودة , ولعلي أضرب مثال واحد فهنا يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} , و بعد أن بدأ ينزل القرآن عليهم وتتابع الأوامر , يقول لله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)} نفس الأوامر , وهنا قال أيضا: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ
¥