تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تعالى - عن سليمان الكفر فقال: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} وهذا فيه إشارة إلى أن السحر كفر, ثم قال: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} , لأنهم: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} و أيضا يعلمون الناس: {مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} هذان الملكان كما أخبر عنهما الله لا يعلمان من أحد حتى يقولا له: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}

فالله- سبحانه وتعالى - أنزل هذان الملكان ابتلاء للناس فيعلمونهم السحر , ونعلم أن القاعدة في هذا؛أن الله لا يبتلى عباده بمثل هذه الأمور إلا إذا هم وقعوا فيها وصارت سجية لهم , مثل ما قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)} الصف , فهو عقاب لهم من جنس العمل الذي يقومون به , فلما أنزل الله هذان الملكان أنزلهم على قوم قد عج فيهم السحر , ومع ذلك إذا جاءهم أحد ليتعلم منهما فيقولان له إنما نحن فتنة فلا تكفر , فيبينون ويوضحون له , لكن هؤلاء يأتون إليهما باختيارهما ليتعلموا السحر , قال: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} قد يقول قائل أن هذا غريب فكيف ينزل الله تعالى ملكين لتعليم السحر , وهذا يرجع لقاعدة كلية وهي أن الله - سبحانه وتعالى - له أن يبتلي عباده بما شاء.

الدكتور محمد الخضيري: لعل الدكتور عبد الرحمن يجيب على هذا؛كيف يبتلي الله العباد بأن يعلمهم السحر.

الدكتور عبد الرحمن الشهري: الله -سبحانه وتعالى- له مطلق الحق بأن يبتلي عباده بما شاء ,والله- سبحانه وتعالى- لا يسأل عما يفعل ولذلك قال في سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)} ذكر العلماء ما هي المسائل المكروهة , كأن تتعنت في السؤال فهذا مكروه , و السؤال عن علل الأمور التعبدية؛ لماذا أمرنا الله بكذا , ونحن نؤكد في حديثنا عن سبب تسمية سورة البقرة بهذا الاسم أنها سميت بذلك لدلالة هذه القصة الرمزية على الاستسلام لأوامر الله والانقياد له , فإذا أمر الله بشيء انقادوا له ,و لذلك عائشة - رضي الله عنها - لما جاءتها امرأة تسأل وقالت لماذا نقضي الصيام ولا نقضي الصلاة فقالت لها: أحرورية أنت؟ بمعنى لم تسألين عن ذلك؟ وإلا كان بالإمكان أن تجيبها أنه بذلك أمرنا , فكثرة السؤال لماذا أمر الله بكذا من المسائل المكروهة , فالله -سبحانه وتعالى -يذكر أنه أنزل ملكين وأنه ابتلى الخلق بأن جعل هذان الملكان يعلمان الناس السحر ابتلاء منه , وقد يستكبر بعض الناس فيقول الله سبحانه وتعالى ينزل ملكين يعلمون السحر؟ وينكر هذا , ونحن نقول أن الله له مطلق الحق في ذلك , الأمر الثاني أنهم ينبهون {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} وانظر للأسلوب فالمعنى أنهم لا يمكن أبدا أن يغفلوا هذا التنبيه فقوله من أحد - فتشمل كل أحد - فهم ينبهونه وينذرونه بقولهم: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} لكن يدخل على النفوس شبهات كثيرة عندما يغفلون جانب الاستسلام والانقياد لأوامر الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير