وستجد بيان معنى الشفاعة في لغة العرب، وقد وضحت لك ذلك في المشاركة الأولى، ولكن زيادة التوثق في العلم تنفعك وتقويك
والقرآن الكريم نزل باللسان العربي، ومعنى الشفاعة في القرآن هو معناها في لسان العرب
هذا من حيث المعنى اللغوي للشفاعة
وأما شروط الشفاعة عنده جل وعلا يوم القيامة فقد بينها الله عز وجل في كتابه أتم بيان:
- فقال تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)
-وقال: (ولا تنفع الشافعة عنده إلا لمن أذن له)
- وقال: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)
- وقال: (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى).
فهذه الآيات تبين أن الشفاعة لا تكون إلا بشرطين:
الأول: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع.
والآخر: رضا الله تعالى عن المشفوع له أن يُشفع له.
والله تعالى قادر على أن يغفر للمشفوع له ويدخله الجنة دون شفاعة
ولكن الله حكيم عليم، وفي الشفاعة من إظهار كرامة الشافعين ورفعتهم ما لا يخفى، وفيها من رحمة الله عز وجل بالمشفوع له ما هو ظاهر بين حيث جعل له سبباً تحصل له به المغفرة ودخول الجنة.
وبيَّن تعالى في آيات أخر أن الشفاعة لا تنفع الكافرين:
كما قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48))
فقوله تعالى: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) هذه الفاء هي لبيان ترتب هذا الحكم على الأسباب السابقة أي: فلأجل أنهم كذبوا بالدين ولم يكونوا من المصلين ولم يكونوا يطعمون المسكين وكانوا يخوضون مع أهل الباطل الذين يجادلون في الحق بعد ما تبين بغير علم ولا هدى ولا قصد صالح وينطقون في الحق بالكذب والبهتان.
وتفيد هذه الآيات بمفهومها أن هناك شفاعة نافعة يوم القيامة لمن كان من المصلين وأطعم المسكين وصدق بيوم الدين واجتنب الخوض فيما يسخط الله تعالى
يعني منطقيا كيف يعقل للرسول أن يطلب الشفاعة من الله لأناس دخلوا النار وهم عصاة .. زناة .. و قتلة .. آكلين لمال اليتيم .. إلخ (بالرغم كونهم موحدين) حكم الله عليهم بالدخول إلى النارو الخلود فيها بنص قرآني صريح ..
هذه الكبائر من القتل والزنا وأكل مال اليتيم ونحوها هي ذنوب عظيمة يخشى على من وقع فيها العذاب الأليم في الدنيا والآخرة
ولكنه لا يخرج بتلك الذنوب الكبيرة من دائرة الإسلام
فما لم يرتد المؤمن عن دينه ويكفر بعد إسلامه بارتكاب ناقض من نواقض الدين المعروفة كالشرك بالله تعالى، أو التكذيب بالحق، أو الشك في صدق خبر الله ورسوله بعد علمه بصحته أو الاستهزاء بشيء من الدين، أو ارتكب شيئاً مما نص الشارع على كفر مرتكبه
فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك لم يكفر وإن زنى وإن سرق
بل هو باق على دين الإسلام وقد حافظ على حسنة التوحيد وصلى وصام وأدى أركان الإسلام فله من الطاعات ما يشفع له بإذن الله تعالى
في الصحيحين من حديث أبي الأسود الديلي أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ نَائِمٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ؛ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ:
(مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ).
قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟!!
قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ.
قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟!!.
قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ.
ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ فِى الرَّابِعَةِ: «عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرٍّ»
قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِى ذَرٍّ).
¥