تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

3 - أقوال أئمة التفسير في معنى الآية:

يقول الإمام القرطبي رحمه الله: "فإذا جاء وعد أولاهما (أي أولى المرتين من فسادهم) بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد (هم أهل بابل وكان عليهم بختنصر في المرة الأولى حين كذبوا إرمياء وجرحوه وحبسوه قاله ابن عباس وغيره، وقال قتادة: أرسل عليهم جالوت فقتلهم فهو وقومه أولوا بأس شديد وقال مجاهد: جاءهم جند من فارس يتجسسون أخبارهم ومعهم بختنصر فوعى حديثهم من بين أصحابه ثم رجعوا إلى فارس ولم يكن قتال وهذا في المرة الأولى فكان منهم جوس خلال الديار لا قتل". الجامع لأحكام القرآن - (ج 10 / ص 215).

ويقول الرازي: "واختلفوا في أن هؤلاء العباد من هم؟ قيل: إن بني إسرائيل تعظموا وتكبروا واستحلوا المحارم وقتلوا الأنبياء وسفكوا الدماء، وذلك أول الفسادين فسلط الله عليهم بختنصر فقتل منهم أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة وذهب بالبقية إلى أرض نفسه فبقوا هناك في الذل إلى أن قيض الله ملكاً آخر غزا أهل بابل واتفق أن تزوج بامرأة من بني إسرائيل فطلبت تلك المرأة من ذلك الملك أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء ورجعوا إلى أحسن ما كانوا، فهو قوله: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ}.

والقول الثاني: إن المراد من قوله: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ} أن الله تعالى سلط عليهم جالوت حتى أهلكهم وأبادهم وقوله: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ} هو أنه تعالى قوى طالوت حتى حارب جالوت ونصر داود حتى قتل جالوت فذاك هو عود الكرة.

والقول الثالث: إن قوله: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ} هو أنه تعالى ألقى الرعب من بني إسرائيل في قلوب المجوس، فلما كثرت المعاصي فيهم أزال ذلك الرعب عن قلوب المجوس فقصدوهم وبالغوا في قتلهم وإفنائهم وإهلاكهم. واعلم أنه لا يتعلق كثير غرض في معرفة أولئك الأقوام بأعيانهم، بل المقصود هو أنهم لما أكثروا من المعاصي سلط عليهم أقواماً قتلوهم وأفنوهم". تفسير الفخر الرازى - (ج 1 / ص 2776).

ويقول ابن عاشور: "ويتعيّن أنّ ذلك إشارة إلى حادثين عظيمين من حوادث عصور بني إسرائيل بعد موسى عليه السّلام، والأظهر أنّهما حادث الأسْر البابِلي إذ سلّط الله عليهم (بخنتصر) ملك (أشُور) فدخل بيت المقدّس مرات سنة 606 وسنة 598 وسنة 588 قبل المسيح، وأتى في ثالثتها على مدينة أورشليم فأحرقها وأحرق المسجد وحَمَل جميع بني إسرائيل إلى بابل أسارى، وأنّ توبة الله عليهم كان مظهرها حين غلب (كُورش) ملك (فَارس) على الأشوريين واستولى على بابل سنة 530 قبل المسيح فأذن لليهود أن يرجعوا إلى بلادهم ويعمّروها فرجعوا وبنوا مسجدهم، وحادث الخراب الواقع في زمن (تِيطس) القائد الرّوماني وهو ابن الأنبراطور الرّوماني (وسبسيانوس) فإنّه حاصر (أورشليم) حتّى اضطرّ اليهود إلى أكل الجلود وأن يأكل بعضُهم بعضاً من الجوع، وقتَل منهم ألفَ ألفِ رجلٍ، وسبى سبعة وتسعين ألفاً، على ما في ذلك من مبالغة، وذلك سنة 69 للمسيح. ثمّ قفّاه الأنبراطور (أدريان) الرّوماني من سنة 117 إلى سنة 138 للمسيح فهدَم المدينة وجعلها أرضاً وخلط ترابها بالمِلح. فكان ذلك انقراض دولة اليهود ومدينتهم وتفرّقَهم في الأرض. وقد أشار القرآن إلى هذين الحدثين بقوله: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتُفْسِدُنّ في الأرض مرّتَيْن ولتَعَلُنّ عُلُوّاً كبيراً فإذا جاء وعد أُولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولِي بأسٍ شديد فجاسوا خِلال الدّيار وكان وَعْداً مفعولاً ثُمّ رددنا لكم الكَرّة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنِين وجعلناكم أكثر نَفيراً إنْ أحسنتُم أحسنتم لأنفسكم وإنْ أسأتم فلها فإذا جاء وعْد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة وليُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تتبيراً. التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (ج 6 / ص 277 - 278).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير