تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[محاولة لدراسة الإعجاز الصوتي]

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[17 Feb 2009, 07:13 م]ـ

كان للعلماء الأقدمين إشارات خاطفة في أثر الصوت القرآني على النفس البشرية وإن لم يفصلوا فيه؛ إلا أن بعضهم قد اعتنى اعتناء كبيرا بصوت اللفظ المفرد الذي انعزل عن النظم وانسلخ عن التركيب؛ فأفضى ذلك إلى إغفال الكل من جهة وإلى الخطأ في معرفة أسباب التأثير من جهة أخرى وإل غموض هذا العلم من جهة ثالثة، ولكن مهما يكن من شئ فإنه عندما تتوالى الأصوات ويتجانس اللفظ - تظهر الفصاحة ويتبين علو الدرجة ورفعة الشأن؛ فاللفظ هو الذي يظهر حلاوة الكلام وطلاوته وحسنه وبهاءه؛ ولأجل هذه المزية الواضحة تجد مسموع القرآن يتميز بصورة لا تخفى عن مسموع سائر الكلام مهما ارتقى في درجات الفصاحة، ولاشك أن لانتظام الحروف بصفاتها ومخارجها وحركاتها وسكناتها أثر في النفس واضح ووقع في الأسماع بيِّن، وكل ذلك قد شكّل في القرآن جانباً جعل هذا الصوت الإلهي متماسك الأجزاء متلاحم الأصداء مستقيم الوقع في الأسماع لا ينبو فيه حرف ولا ينكر منه صوت. ولا شك إن الصوت القرآني أكثر إراحة للنفس وأحسن أثراً وأجود مسموعاً من كل صوت سواه؛ وهو لذلك دلالة معجزة لكل من يسمعه، وليس الأمر مقتصرا على العلماء الذين ينقبون في المعاني والتراكيب فحسب؛ وإن كانت الأذهان تأخذ منه على قدر القرائح والفهوم؛ ولما كان القرآن - في نفسه - دليلا ساطعا وبرهانا واضحا وشاهدا قائما على أنه من عند الله تعالى؛ إذ أنه مبين ظاهر الإعجاز–فقد ذهب ابن تيمية إلى أن: "مجرد العلم بهذه الآيات يوجب علماً ضرورياً بأن الله جعلها آية بصدق هذا الذي استدل بها؛ وذلك يستلزم أنها خارقة للعادة؛ وأنه لا يمكن معارضتها" ولهذا كانت دلالة القرآن واضحة للكافة؛ مثل فلق البحر وإحياء الموتى؛ قال تعالى: " وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ " ولما كان القرآن دلالة ظاهرة - فإن هذا يترتب عليه أن الإعجاز لايقتصر على وجه دون وجه ولا على جانب دون آخر؛ إذ أن المتأمل في القرآن العظيم ليجد أن لهذا الكلام الإلهي المتفرد حسناً ومزية يفوق بها سائر أنواع الكلام البشري، وما هذا الجمال الظاهر وما تلك المزية القاهرة إلا لكمال مصدر القرآن نفسه. وقد تحيّر العلماء كثيراً أمام هذا الحسن الظاهر والجمال الباهر الذي يخلب الألباب فتقشعر له الجلود؛ يقول الباقلاني - عند حديثه عن الجمال القرآني -: " ومتى ما عظم محل الشيء فقد يكون الإسهاب فيه عيّا والإكثار في وصفه تقصيراً … وضلّ أعرابي في سفر له ليلاً وطلع القمر فاهتدى؛ فقال: ماذا أقوال نوّرك الله؛ وقد نوّرك؟! أم أقول جملّك الله؛ وقد جملّك؟! "

ويقول سيد قطب: "إن في هذا القرآن سرا خاصا، يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء، قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها؛ إنه يشعر بسلطان خاص في عبارات هذا القرآن؛ يشعر أن هنالك شيئا ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير، وأن هنالك عنصرا ما ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن؛ يدركه بعض الناس واضحا ويدركه بعض الناس غامضا، ولكنه على كل حال موجود، وهذا العنصر - الذي ينسكب في الحس - يصعب تحديد مصدره: أهو الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة؟ ...... أم إنه هو وشيء آخر وراءه غير محدود؟! ذلك سر مودع في كل نص قرآني، يشعر به كل من يواجه نصوص هذا القرآن ابتداء، ثم تأتي وراءه الأسرار المدركة بالتدبر والنظر والتفكير في بناء القرآن كله"

ولما كان الصوت القرآني شديد التأثير في النفس البشرية على إطلاقها - إذ ثبت أن البشر سواء كانوا مؤمنين أوغبر مؤمنين وسواء كانوا ناطقين بالعربية أوغيرها ذوو تأثر واضح بهذا الصوت الإلهي المتفرد –فإن هذا الصوت يغدو بلا أدنى شك معجزة للنبي " r" ودلالة على صدقه في دعواه النبوة عند الكافة؛ وهنالك كثير جدا من الأمور التي تنهض أدلة على ما ذهبنا إليه قي هذا المضمار؛ ومن ذلك على سبيل المثال:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير