[أدلة وجوه الإعجاز]
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[01 Mar 2009, 03:53 م]ـ
تحدى الله سبحانه وتعالى البشر أن يأتوا بـ"مثل"القرآن؛ قال تعالى:" وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ "وقال أيضا " وقُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ "
وقد تدرج الله مع البشر من القرآن كله "بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ " إلى عشر سور "بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ " إلى سورة واحدة " بِسُورَةٍ مِثْلِهِ"
ولا يتضح وجه التحدي بصورة واضحة أي "مثل" القرآن في ماذا؟
لكن العلماء تكلموا في ذلك، يقول ابن عطية "وجه التحدي في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه" ويقول ابن كثير "القرآن معجز من وجوه كثيرة منها فصاحته وبلاغته ونظمه وما تضمّنه من الأخبار الماضية والمستقبلة وما اشتمل عليه من الأحكام المحكمة الجلية" ووجوه الإعجاز عند الإمام البيضاوي تتمثل " في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى" وعند السيوطي " في البلاغة وحسن النظم والإخبار عن الغيب" وتتمثل عند ابن تيمية في اللفظ والنظم والإخبار بالغيب والأوامر والنواهي والوعد والوعيد والجلال والعظمة ونحو ذلك
ورغم اختلاف التعبير وتباين الألفاظ في تحديد وجوه الإعجاز عند العلماء إلا أن هذه العبارات جميعها تحصر الإعجاز في ثلاثة وجوه هي:
(1) صحة المعاني: أي مطابقة هذه المعاني للواقع في الأخبار، وتحقيقها للمصالح في الإنشاء (أو الأوامر والنواهي).
(2) حسن اللفظ وحلاوته: أي حلاوة الصوت القرآني في الآذان وبهجته في النفس وقوة أثرهـ فيها.
(3) جودة النظم: أي قوة الارتباط وحسن السبك ودقة التراكيب.
والكلام ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة وكل ما يذكره العلماء من وجوه أخرى زائدة فإنما هي تفريعات لهذه الوجوه الثلاثة أو جمع لبعضها أو توسيعا له.
فهل لما ذكره العلماء من أدلة قرآنية؟
الإجابة نعم، وإن كانت الأدلة غير مباشرة
- أولا: دليل إعجاز النظم قوله تعالى "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" وبمفهوم المخالفة – كما يقول الأصوليون - فإنّ الآية تقرَّر أنّ: القرآن لما كان من عند الله فقد وجدوا فيه تناسقاً عجيباً لا يستطيع الفصحاء والبلغاء الإتيان بمثله في النظم والتأليف؛ إذ أن القرآن نص إلهي متماسك الأجزاء؛ متلائم التراكيب؛ آخذ بعضه بحجز بعض، وهو على اختلاف ما يتصرف فيه من الوجوه الكثيرة والطرق المختلفة يجعل المختلف كالمؤتلف والمتباين كالمتناسب، الأمر الذي تجد خلافه في نظوم البشر وتآليفهم.
- ثانيا: دليل إعجاز اللفظ قوله تعالى في سورة هود: (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) والافتراء "أي الكذب" أمر يتعلّق بالمعنى دون الألفاظ كما ذكر الجرجاني في الشافية، وبذلك يكون معنى الآية: إن كنتم تزعمون أني قد وضعت القرآن وافتريته وجئت به من عند نفسي ثم زعمت أنه وحي من الله - فضعوا انتم عشر سور وافتروا معانيها كما زعمتم أني افتريت معاني القرآن، أي أن التحدي هنا لم يكن بالمعاني التي زعموا أنها مفتراة"مكذوبة" بل بجمال اللفظ وحسن الكلام.
- ثالثا: دليل إعجاز المعاني قوله تعالى في سورة يونس "وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" وإذا كان الافتراء يقع على المعاني لا الألفاظ؛ فهذه الآية تشير إلى إعجاز المعاني بصورة واضحة، والمعنى: هذا القرآن لا يمكن أن يكون افتراء وكذبا إطلاقا فإن زعمتم أنه كذلك فاتوا بمثله في صحة معناه وصدق أخباره وعدل أحكامه، وقد تحدى الله - في آية سورة يونس هذه - بالمعاني فلما عجزوا تحداهم باللفظ
¥