تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مقاصد السّور وأثر ذلك

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[12 Feb 2009, 01:05 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، و? الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ? [الكهف:1]، حمدا كثيرا دائما ما تتابع الليل والنهار، كلّما حمد الله جل وعلا الحامدون، وكلّما غفل عن حمده سبحانه الغافلون.

وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأسأل ربي جل جلاله -وهو المجيب لمن سأل، والمعطي لمن أقبل- أن يجعلني وإياكم ممن بارك قولهم عملهم، وأن لا يكلنا لأنفسنا طرفة عين، وأن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يُلزمنا كلمة التقوى في الحياة والممات، إنّه سبحانه جواد كريم.

كما أسأل ربي جل وعلا أنْ ينفعني وإياكم بما نسمع أو نقرأ من العلم، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا، وأن يقيمنا على دينه ما أبقانا.

ثم إنّ من أنواع البركة التي يُفيضها الله جل وعلا على خاصة عباده أن يمن عليهم بمحبة العلم، ومحبة تداركه، والإقبال على ذلك، وحقيقة العلم هو العلم بكتاب الله جل وعلا وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذْ لا أرفع بالكلام ولا أعظم قدْرا من كلام ربنا جل وعلا، ولا أعظم ولا أرفع بعده من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، فالموفَّق والمبارَك من علم وعمل واجتهد في ذلك حتى يصيب منه ما كتب الله له، «واعملوا فكل ميسر لما خلق له».

ولهذا وصف الله جل وعلا كتابه بأنه مبارَك، وجعل من أصناف بركته التي أنزلها سبحانه وتعالى أنْ أنزل هذا الفرقان، كما قال سبحانه ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ? [الفرقان:1]، وكما قال جل وعلا ? كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ? [ص:29]، وقال أيضا جل جلاله ? وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ? ([1]) ونحو ذلك من الآيات التي فيها وصف القرآن بأنه مبارك؛ يعني كثير الخير لمن أقبل عليه، ففيه شفاء الصدور، وفيه شفاء القلوب، وفيه الهداية، وفيه التوفيق لمن أرد الله جل وعلا أن يوفقه.

وفي الآية التي ذكرنا وصف الله جل وعلا كتابه بأنه مبارك وأنه أنزله لأمرين فقال سبحانه في سورة ص (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) واللام هنا هي لام (كي)؛ يعني أن العلة من إنزال القرآن وجعله مباركا أن يتدبر العباد هذا القرآن؛ أن يتدبروا آياته، ثم لكي يتذكر أولوا الألباب، وهذا فيه عِظمُ شأن تدبر القرآن وعِظمُ شأن التذكر حين التلاوة، وهذا إنما يكون بالتدبر، فلا تذكر إلا بتدبر القرآن، ولكن خَصّ الله جل وعلا في التذكر؛ خَص أولي الألباب فقال (وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)، وفي الحقيقة أنّ الذي يتذكر بعد التدبر ويقبل على القرآن هو العاقل وهو ذو اللب؛ الذي بلغ الغاية في ذلك، وقد سئل أحد سادات التابعين في الكوفة، فقيل له -أظنه إبراهيم النخعي- فقيل له: من أعقل الناس؟ من أعقل الناس؟ فقال: أعقل الناس فلان الزاهد. فذهبوا لينظروا من عقله، ولينظروا من أمره، فما وجدوه إلا مقبلا على القرآن، وعلى أمر آخرته، فعُلم أن قصد إبراهيم أنّ أعقل الناس هو من أقبل على أشرف الكلام، وأقبل على أشرف مقصود وهو الدار الآخرة، ? تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ? [القصص:83] فحضّ الله جل وعلا في هذه الآية على تدبر القرآن.

وموضوع هذه المحاضرة أثر من آثار تدبر القرآن عند أهل العلم؛ لأنّ الموضوع الذي سنتناوله يبحث في: علم مقاصد سور القرآن وأثر هذا العلم بالمقاصد في فهم التفسير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير