[نظرة بلاغية في سورة الضحى للأستاذ الراحل الدكتور نعيم اليافي]
ـ[مُتَّبِعَة]ــــــــ[21 Mar 2009, 08:28 م]ـ
راجعتُ ما كتبتُه من إملاء أستاذي الدكتور نعيم اليافي في مقرر البلاغة العربية أواخر عام 1996، أسلوبه كان قويا مؤثرا، لا سيما وهو يُمْلينا ارتجالا نابعًا من رسوخ قدم فيما يتحدث به، فرأيتُ أن أبحث عن أية إشارة له في محرك البحث فإذا بي أجد له موقعا قد صدَّر اسمه بكلمة "الراحل"، رحمه الله وغفر له.
كلمة "الراحل" أعادت التلميذ إلى التماس وفاء لذاك الأستاذ، بحثتُ عن مؤلفاته في موقعه، فلم أجد ما لدي منشورا فيه ولو عنوانا، وها هو بعضٌ منه هدية بين العيون والمدارك من أستاذ فاضل أفضى إلى ما قدَّمَ وبقيت أثارَتُه، أسأل الله أن يكتب له فيها الأجر.
...
تحليل نصي لسورة الضحى
1. وَالضُّحَى
2. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى
3. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى
4. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى
5. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
6. أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى
7. وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى
8. وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى
9. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ
10. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ
11. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
خطوات التحليل:
1) الإطار العام ومناخ النص
2) طبيعة القَسَم
3) الذِّكر والحذْف
4) الألفاظ المناسبة
5) سياق النص
أولا: مناخ النص –
حتى نفهم هذا المناخ أو الإطار نعرض أسباب النزول، نزل النص وهو مكي في أوائل ما نزل من نصوص القرآن بعد فترة فتور ظن الكافرون أن القطيعة قد وقعت بين محمد وخالقه، فقالوا في جملة ما قالوا: لقد قلى محمدًا ربُّه، نزل النص ليدحض هذه الفرية وليقف إلى جانب النبي عليه الصلاة والسلام وليكون لمسة حنان دافئة من الذات العلية تدعم النبي في توقفه وتأخذ بيده وتؤكد له استمرار الوحي. النبي كبشر ضعيف يحتاج في تلك الفترة إلى لمسة حنان فكان النص هو هذه اللمسة، وضمن هذا الإطار النفسي سنجد أن كل لفظة .. كل تركيب .. كل دلالة إنما نبعت منه وتعود إليه.
ثانيا: القَسَم –
من يستقرئ القسم القرآني يجد أنه على نوعين:
النوع الأول: جاء بصيغة الواو مع المقسَم به من مثل "وَالضُّحَى" هنا، و "وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ" و "وَالْعَادِيَاتِ .. " .. الخ.
النوع الثاني: جاء بصيغة "لَا أُقْسِمُ" ومثاله كثير منها قوله تعالى "لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنتَ حِلٌّ .. " الخ.
ومن يتتبع آراء الدارسين إزاء القسمين سيجد أنها شتى، لا يهمنا أن نقف عندها ولا أن نتتبعها، حسبنا أن نقف عند القسم بالواو؛ لأنه مرتبط بسياق النص الذي نحن بصدده؛ ذهب المفسرون إلى أن هذه الصيغة هي قسم وقسم بالواو، كما ذهبوا إلى أن الله تعالى لا يقسم بآياته إلا لأنها عظيمة، وسنختلف معهم في هذين الأمرين؛ من الناحية النحوية الصرفية الواو واو قسم، ولكن من الناحية البلاغية وهو ما يهمنا سنسمي هذه الواو بالواو البيانية، أشرح ذلك فأقول: إن الله تعالى جلت قدرته يلفت نظرنا بهذه الواو إلى حقيقتين إحداهما مادية، وأخراهما معنوية، وعلينا أن نثبت ونؤكد ونعتقد بالحقيقة المعنوية من خلال فهمنا للحقيقة المادية .. وهكذا كل من يستقرئ تركيب القسم بالواو سينتهي إلى وجود مشهدين بعد الواو، مشهد مادي يعقبه مشهد معنوي؛ هنا أين المشهد المادي؟ تعاقب الضحى الألق بعد الليل الساجي، وهذا التعاقب المادي الملموس حقيقة مادية مرئية ومشاهدة لا تثير أسئلة ولا تخلق جدلا، يعقب هذه الحقيقة حقيقة معنوية أخرى هي هنا في النص وداع الله لرسوله وعدم بغضه له، وأن تعاقب القرب والبعد تعاقب الاتصال والانفصال تعاقب فتور الوحي وزخمه إنما هو أمر عادي وهو أمر معنوي أيضا، أكثف ذلك كما يأتي:
- الصورة الأولى: تعاقب الليل بعد النهار أو قبله؛ هذا التعاقب المادي، تعاقب عادي حقيقي وبالتالي فإن تعاقب تنجيم الوحي فتورا وزخما إنما هو الآخر تعاقب معنوي عادي في آن.
¥