تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مشكلات التأويل]

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[04 Mar 2009, 03:35 م]ـ

إن النص القرآني إذا كان سهل التناول ميسّر للذكر واضح البيان من جهة فهو بعيد الغور شديد العمق من جهة أخرى، ولهذا فإن طريق العلم بهذا النص هو التدبر وإعمال العقل وتقليب الفكر والنظر؛ ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه: "لا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه" وهذا العمق إنما هو صفة لازمة لهذا النص العظيم؛ إذ أن العقل كلما ازداد فيه تفكراً انفتح له من الآفاق ما لم يكن منفتحا وانقدح له من العلوم -حسب أهليته وقدرته على الفهم - ما لم يكن منقدحا؛ وإنما تتفتق المعاني وتتكشف الحقائق على قدر القرائح والفهوم؛ ولهذا كان التفسير- كما قال ابن عباس - على أربعة أوجه:

- وجه لا يعذر أحد بجهالته

- وجه تعرفه العرب من كلامها

- وجه يعلمه العلماء

- وجه لا يعلمه إلا الله

وليس ذلك فحسب بل إن للقرآن العظيم - عند تدبره- وجوها كثيرة ومعاني متعددة كما ورد عن كثير من سلف هذه الأمة وعلمائها؛ يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: "لا تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها" وقد روي أن عليا كرم الله وجهه قد أرسل ابن عباس لمخاصمة الخوارج، وأمره آن لا يخاصمهم بالقرآن؛ فقال ابن عباس: أنا أعلم بكتاب الله منهم؛ في بيوتنا نزل؛ فقال علي: "صدقت، ولكنّ القرآن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسنن؛ فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً"، فخرج ابن عباس إليهم فخاصمهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حجة، وأخرج الدارمي أن عمر بن الخطاب قال: "إنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن؛ فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله " ولما كان الأمر على الوجه الذي ذكر - فقد وقع الاختلاف في تأويل القرآن، وانقسم الذين اختلفوا إلى فريقين:

1 - الفريق الأول وهم:الذين اعتقدوا معاني أرادوا حمل القرآن عليها ولم ينظروا إلى ما يستحقه النص من الدلالة والبيان؛ فكان تأويلهم بذلك تحريفاً؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "اتبعوا هذا القرآن ولا يتبعنكم القرآن؛ فإن من تبع القرآن يهبط به في رياض الجنة، ومن اتبعه القرآن يزخ على قفاه فيقذفه في جهنم"

2 - الفريق الثاني وهم: الذين اختلفوا بحسب اختلاف طرق الاستدلال، ومعلوم أن هذا النوع من الاختلاف قد وقع بين السلف والصحابة أنفسهم؛ إلا أنه – كما يقول ابن تيمية – كان اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.

مفهوم التأويل:-

التأويل في اللغة هو التفسير وهو المرجع والمصير، وآل إلى كذا: صار إليه؛ ومنه قول الأعشى:

على أنها كانت تؤول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا

أي: أن حبها كان صغيرا في قلبه؛ فلم يزل يكبر حتى عظم أمره كهذا السقب الذي مازال يشب حتى صار كبيراً كأمه؛ وصار له ابن يصحبه.ويقول الشوكاني "التأويل رجوع الشيء إلى مآله " وقد ورد لفظ "التأويل" في عدة مواضع من كتاب الله تعالى؛ ومن ذلك قوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" أي: وأحسن مرجعا؛ يقول الإمام الطبري "وأحسن تأويلا؛ يعني: وأحمد موئلا ومغبة وأجمل عاقبة ...... وهو من قولهم آل هذا الأمر إلى كذا أي: رجع"، ومنه قوله تعالى: "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " أي: وأحسن عاقبة، ومنه أيضا قوله: "هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ .......... "أي يوم تبدو عواقبه، ومنه أيضاً قوله: "بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ"أي حقيقة ما وعدوا به، ومنه قوله: " وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين " أي: تفسيرها، ومنه أيضاَ قوله "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رؤياي مِن قَبْلُ " أي: تحقيقها، ومنه قوله: " قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير