تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[نحو منهج للتعامل مع الإسرائيليات]

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[20 Feb 2009, 05:48 م]ـ

جذورالمشكلة:

ذكر تعالى في كتابه العزيز أن التوراة والإنجيل قد تحرّفت عن مواضعها وتغيّرت في معانيها وتبدّلت في أحكامها؛ فالتوراة قد تعرضت للضياع عند غزو البابليين (نوبخذ نصر) لبني إسرائيل سنة 586ق. م، ونتج عن ذلك تدمير الهيكل وسبي بني إسرائيل؛ فكتب عزرا الوراق بعد ذلك بديلاً للتوراة دون أصل يرجع إليه؛ فلفقها من مواضع مختلفة، ومعلوم أن التوراة الموجودة ليست نسخة واحدة متفق عليها من قبل اليهود، وإنما هي ثلاث نسخ مختلفة ويناقض بعضها بعضا؛ وهي: "التوراة العبرية" و"التوراة السامرية" و"التوراة اليونانية"، ولكل توراة فرقة من اليهود تؤمن بها دون الفرق الأخرى.

ومن المفارقات العجيبة أن أقدم مخطوط لدى اليهود من أسفار التوراة يعود إلى القرن الرابع الميلادي، علما بأن موسى عليه السلام قد عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد على الأرجح.

وقد ذهب محققو اليهود إلى الاعتراف بأن أسفار العهد القديم مشكوك في أمر مؤلفيها، وقد أثبت الفيلسوف اليهودي اسبينوزا أن التوراة قد كتبت بعد موسى بزمن طويل جداً.

وليس ذلك فحسب بل أثبتت الدراسات العلمية أن التوراة قد استمدت من نشيد أخناتون وحكم أمينوبي وقانون حمورابي، ولأجل ذلك التحريف ملئت التوراة بالأساطير الوهمية والخرافات العجيبة والأباطيل الغريبة والقصص الجنسية والحقائق المناقضة لأحكام العقل ومعطيات العلم.

أما ما يتعلق بالنصارى فيتفق معظم الباحثين على غموض تعريف الوحي في فكر النصارى عموماً وتعقّد عقيدة اللاهوت المسيحي، فالوحي عند الكاثوليك مثلا يمنحه الرب باستمرار للكنيسة تحت قيادة القديسين، وهؤلاء القديسون تقبل معتقداتهم على أنها جزء من الوحي الإلهي.

والإنجيل الذي بأيدي النصارى هو سيرة المسيح التي جمعها أربعة أشخاص ليسوا هم من الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام الذين مدحهم القرآن، فمتّى لم ير المسيح إلا خلال العام الذي رفع فيه، وقد كتب الإنجيل في الإسكندرية بعد الرفع. أما لوقا فلم ير المسيح قط؛ وإنما تنصر على يد بولس، وبولس - الذي يقال أنه كان يهودياً في أول أمره - لم يدرك المسيح وإنما تنصر على يد أنانيا، أما مارقوس فهو أيضاً لم ير المسيح وإنما تنصر على يد بترة الحواري، ولهذا اختلفت الأناجيل فيما بينها اختلافاً كبيراً. والحق أن نسخ الإنجيل لم تظهر إلا بعد ثلاثة قرون من تاريخ المسيح، وهذه الأناجيل الأربعة الموجودة وهي متى ومرقص ولوقا ويوحنا فقد اختيرت من بين سبعين إنجيلاً، وقد اعترف النصارى أنفسهم أن الإنجيل قد تعرض للتبديل والتحريف خلال تاريخه الطويل.

أما القرآن فهو بخلاف هذين الكتابين السابقين لم يتغير ولم يتبدل ولا يمكن أن يقع فيه مثل ذلك؛ قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقال أيضاً في الحديث القدسي: (وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ) ومعنى ذلك: أنه لو غسل الماء المحل المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المكان؛ لأنه محفوظ في الصدور، ولأجل ذلك قال تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ولما كان القرآن إلهي المصدر معجزاً لفظاً ومعنى فإنه لا يمكن أن يتغير أو يتبدل، ولأجل ذلك كان هو المصدّق والمهيمن؛ قال تعالى عنه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) فهو الأمين والحاكم والمعيار والمقياس الذي تقاس به تلك الكتب وهو المصحح لما وقع فيها من تحريفات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير